A place where you need to follow for what happening in world cup

من مذكرات علي حيطوف رجل الإطفاء الذي أصيب بحروق داخل مؤسسة أوسيبي بأسفي

0 428

من مذكرات علي حيطوف

إعداد :رشيد الزحاف

لجريدة النهضة الدولية

قد تصف الكلمات مقدار الألم الجسدي، لكنها تبقى عاجزة عن نقل حقيقة المعاناة النفسية التي تجتاح الروح، فيعم الصمت كل شيء وكأن الوجع يلفّ الكلمات ويخنقها.

اليوم، تحل الذكرى الرابعة على حادثة شغل غيرت مجرى حياتي إلى الأبد، حادثة شغل كادت أن تسرق روحي لولا لطف الله ورحمته. لقد تعرضت لحروق من الدرجة الثالثة وتركتني طريح فراش المستشفى لثلاثين يومًا، أيام طويلة مثقلة بالعجز والخوف من الغد، ولا زلت حتى الآن أتأرجح بين جدران المستشفيات أبحث عن علاج للعاهة التي سترافقني ما حييت.

في يوم عادي كباقي الأيام، كنت أؤدي عملي بكل حماس وهمة، وإذ بصرخات تنذر بحريق هائل قد اجتاح المكان، هرعت لمحاصرته، وكأنني في معركة حياة أو موت، لكن القدر كان لي بالمرصاد. في لحظة، هوت بي قدماي إلى أسفل، إلى حفرة مشتعلة كأنها حمم بركانية تلتهم جسدي بلهيب لا يرحم. شعرت برجلي اليمنى تعيش انفصالاً مؤلمًا حينما حاول زملائي انتزاع الحذاء منها، بينما الحذاء الآخر، في رجلي اليسرى، ظل عالقًا محاصرًا بألسنة اللهب المتوهجة، حتى اضطر المسعفون لاستخدام السكين لتحريره، وكأنما يحررونني من ألم لا يوصف.

أخذوني إلى مستشفى محمد الخامس بآسفي، ومن ثم إلى الدار البيضاء، حيث قضيت شهرًا بأكمله محاصرًا بين الألم والجدران، أتوسل للشفاء وأغرق في شعور ثقيل من الغربة والوحدة. أجريتُ ثلاث عمليات جراحية خلال تلك الفترة القصيرة، كان جسدي يئن تحت وطأة العقاقير والأدوية، حتى بدأتُ أفقد تحملي لها. استأصلوا قطعًا من فخذي لإعادة تطعيم قدمي، لكن هذا كان فقط بداية لمعركة أخرى لا تنتهي.

عدتُ إلى بيتي بعد شهر، لكنني لم أكن نفس الشخص الذي غادره. رجعت محملًا بجراح لا تُرى، وبقدمين مشوهتين أصابعهما لا تلامس الأرض. أصابع ملتصقة ببعضها كأنها تعانق ألمها بصمت. لم أستطع أن أتحمل كل هذا، اضطررت للعودة إلى المستشفى مرة أخرى، لإجراء عمليتين أخريين، ولكن العمليات باءت بالفشل، وتركتني أعاني من عاهة لا سبيل للخلاص منها، عاجزًا عن المشي الطبيعي أو حتى الجلوس. لم يرحمني الوقت، فكان عليّ أن أخضع لجلسات ترويض مؤلمة، متنقلًا بين آسفي والدار البيضاء وسط صعوبة في النقل وغياب أي وسيلة تنقل تسعفني. طرقتُ أبواب عدة للمساعدة، اتصلت بالمسؤولين، بحثت عن دعم، لكنني وُوجهت بالصمت، كأنما معاناتي أصبحت جزءًا من الفراغ.

ومع هذا، لم يكن الألم الجسدي كافيًا ليغمرني، فزادته الوحدة وخذلان المسؤولين عتمة وضغطًا، لم أعد قادرًا على احتمال ما حل بي، إلى أن دلّني أحد الأطباء إلى استشارة طبيب نفسي. وصف لي مهدئات، لكنني عشتُ تحت تأثيرها في عالم معزول، دوامة من التخدير والمشاعر المتوهجة بالألم. شعرت وكأنني أسقط في بئر لا قاع له، حتى قررت التوقف عن تناول الأدوية، كأنني كنت أبحث عن صحوة ألم حقيقي ليعيد لي إنسانيتي.

 

كل ما مرت به كان بمثابة فصول جديدة من الألم: العمليات الجراحية، العقاقير، العجز عن أداء أبسط مهامي كأب، وأخيرًا تخلّي من كنت أظنهم ملاذًا لي، النقابات والممثلون الذين تواروا حينما أردت الدعم والحقوق، والذين غابوا كأنهم يهربون من حمل حقي في الحياة بكرامة.

ومع هذا، ما زالت معاناتي مستمرة…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.