A place where you need to follow for what happening in world cup

الجار وتحولات العلاقة من حسن الجوار إلى سوءه

0 54

الجار وتحولات العلاقة من حسن الجوار إلى سوءه

بقلم: عبد اللطيف هاني

جاري ونحن جيران، كلمات أصبحت من الماضي القريب، حينما كان للجوار قيمة ومكانة يندر مثلها في زمننا الحالي.

فما الذي حدث لهذه العلاقة الوطيدة حتى تلاشت؟
كانت كلمة جاري مصدر فخر لمن يقولها ولمن تعنيه، كان لها وزنها ومكانتها، ثم فجأة أصبح هذا الجار غريبا رغم أن مسكنه هو نفسه، ولايفصل بينك وبينه لا سياج ولا حدود ولا مسافات ولا بحار، لكن شيئا ما بداخلنا أبعد هذا الذي كان قريبا منا وجزءا من العائلة، بل إن صلاحياته كانت تتجاوز أحيانا صلاحيات العديد من أفراد العائلة.
كيف لا وأنت تراه صباح مساء وفي كل لحظة وحين، وفي كل مناسبة ودون مناسبة، تلتقي به تجتمع معه تصاحبه تصادقه تعاشره ،يدخل بيتك يسامرك يحكي لك عن نفسه وعن مشاكله وظروفه وهمومه وشجونه، يفرغ مابداخله وكأنه يتحدث إلى أخيه أو يشكوا إلى والده، مكانته فوق الرأس وسمعته مصونة وسره دفين.

كان الجار بمثابة الأب الثاني يساهم بدوره في تأديب أبناء الجيران وتربيتهم وتحصينهم من المساوئ والآفات وكل ماقد يشكل خطرا على صحتهم وحياتهم، يعتني بأبناء جاره يلقي لهم البال والاهتمام، ويشارك جاره أفراحه وأتراحه وسعادته وآلامه وأحلامه وآماله.
حتى صدق فيه قول الرسول ﷺ:” مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه “.

إلا أنه اليوم حدث تغير لم يكن في الحسبان، فقد أصبح هذا الجار كالغريب الذي لا تسمع صوته ولا تعرف خبره، يمر بجانبك وقد يلقي تحية السلام أو لا يلقيها، تفتح باب بيتك وعندما يحس بأنك على وشك الخروج، يغلق بابه حتى تغادر المكان، تلتقي به في درج العمارة فيلتفت الى الجهة الأخرى وقد ألقى التحية بامتعاض لا تخطؤه العين، لا يرغب في الحديث أو الدخول معك في أي نوع من الحوارات، سواء كانت تهم الصالح العام أو ذات طابع خاص، يفضل أن يتعرف على أناس بعيدين عن سكنه ويرفض إقامة أية علاقة مع الجيران، وكأن هناك داء أو عدوى يمكنها أن تصيبه من جيرانه، تشعر به وكأنه يفر منك ولا تلمس لديه الرغبة في عقد أي نوع من العلاقة مهما قل شأنها معك.

تغيرت طبيعة العلاقة مع الجار وانتقلت إلى أسوء مراحلها، ويكفي أن ينشب أقل خلاف بينكما لترى الوجه القبيح لتلك العلاقة ويخرج الى العلن الحقد الدفين، وكل أشكال الكراهية التي لا تخطر لك على بال.
بالأمس كان الجار صديق وفي وأخ تؤمنه على بيتك وأبنائك وأملاكك وأمتعتك، واليوم تأخذ منه حذرك وتحمي منه نفسك وأسرارك وأبنائك، بالأمس كان أبناء الجار يقومون بخدمتك ويهرعون لمساعدتك، واليوم أصبحت تخشى من أبناء الجار على نفسك وأبنائك، بالأمس كان للجوار حرمة واليوم انتهكت تلك الحرمة، فقد داس أبناء اليوم على كل ماله علاقة بالأخلاق والقيم وفي طريقهم انتهكوا حرمة الجوار.

إنه كلام قاس لكنها الحقيقة التي استيقظنا عليها، وجعلتنا نعقد هذه المقارنة بين جوار الأمس وجيرة اليوم، التي ساءت وأضحت معولا لهدم بنية المجتمع، بعد أن كانت لحمة تشد عضده وتقوي ساعده وتتفانى في التضامن والتكافل معه.

ولايسعنا إلا أن نقول لقد انتهى زمن الجار – إلا في حالات استثنائية ونادرة جدا – وحل مكانه كائن آخر غريب نجهله ونجهل فن التعامل والتعايش معه، كما انتهى مفهوم الجوار والجيرة إلى أجل غير مسمى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.