النهضة الدولية
في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، أعلن مكتب النقل الدولي (أفريقيا) التابع لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، بقيادة الميلودي مخاريق، عن إضراب عام يومي 5و6 فبراير 2025 بمعبر الكركرات، وهو منفذ إفريقي دولي استراتيجي يمثل شريانًا اقتصاديًا حيويًا للمغرب وللعديد من الدول الإفريقية. هذه الدعوة، التي تأتي في سياق إقليمي متوتر، تطرح العديد من التساؤلات حول الخلفيات الحقيقية لهذا القرار، ومدى ارتباطه بمصالح الشغيلة فعلاً، أم أنه مجرد ورقة ضغط تستخدمها القيادة النقابية لخدمة أجندات خاصة، في ظل تغاضي الدولة عن افتحاص مالية هذه المركزية النقابية وقياداتها، خاصة وأن معبر الكركرات ليس مجرد نقطة حدودية بين المغرب وموريتانيا، بل هو شريان اقتصادي واستراتيجي يربط المغرب بعمقه الإفريقي، ويؤدي دورًا محوريًا في التجارة الإقليمية، وأي اضطراب في هذا المعبر سينعكس مباشرة على تدفق البضائع والخدمات، مما قد يضر بصورة المغرب كفاعل اقتصادي موثوق به في القارة الإفريقية.
إن قرار الاتحاد المغربي للشغل بشل الحركة في هذا المعبر لا يمكن تفسيره فقط بأنه رد فعل على مطالب مهنية، بل يتجاوز ذلك ليصبح ورقة ضغط ضد الدولة، ووسيلة للي ذراعها من خلال تهديد المصالح الاستراتيجية للوطن، وهو ما يثير التساؤل عما إذا أصبحت القيادة النقابية تخوض معاركها السياسية بأدوات تهدد الأمن الاقتصادي للبلاد؟
فلطالما رفعت المركزيات النقابية شعار الدفاع عن حقوق الشغيلة، إلا أن الواقع هذه المرة مع نقابة مخاريق ومعصيد ومن على شاكلتيهما يكشف عن وجه آخر، حيث تحولت بعض القيادات النقابية إلى طبقة بيروقراطية تستغل مواقعها لخدمة مصالحها الخاصة، خاصة وأن القيادة الحالية للاتحاد المغربي للشغل لم تعد تمثل قاعدة الشغيلة بقدر ما أصبحت تتحدث باسمها لتحقيق مكاسب ضيقة، سواء عبر الضغط للحصول على امتيازات خاصة أو عبر توظيف الملفات الاجتماعية لتحقيق مكاسب سياسية.
إن الإضراب الذي دعت إليه هذه المركزية ليس سوى نموذج آخر لهذا التوجه، حيث تم استخدام مطالب السائقين المهنيين كغطاء لتمرير رسائل سياسية ضد الدولة، دون مراعاة لتداعيات هذه الخطوة على المهنيين أنفسهم، الذين قد يجدون أنفسهم في مواجهة مشاكل قانونية واقتصادية بسبب هذا التصعيد غير المحسوب.
والأخطر من ذلك وغير المفهوم في الآن نفسه، أن الدولة ومنذ سنوات، تتعامل بتسامح كبير مع قيادة هذه النقابة، حيث لم يتم إخضاعها لعمليات افتحاص مالي دقيقة رغم استفادتها من دعم مادي سخي، ورغم التقارير التي تشير إلى وجود فساد داخل التعاضديات التي تديرها قيادات الاتحاد المغربي للشغل، إلا أنه لم تتم أية محاسبة فعلية، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية لهذا التغاضي، علما أنه من حق المغاربة أن يعرفوا كيف تُصرف أموال الدعم العمومي التي تتلقاها هذه النقابة، وما إذا كانت تُستخدم فعلًا في خدمة الشغيلة، أم أنها تتحول إلى ريع تستفيد منه فئة محدودة من القيادات، كما أن المطالبة بالشفافية والمحاسبة لا يجب أن يقتصر على الدولة فقط، بل ينبغي أن يشمل أيضًا الهيئات الوسيطة، وعلى رأسها النقابات، التي تُفترض فيها المسؤولية والوضوح تجاه قواعدها وتجاه الرأي العام.
الأكيد أن قرار الإضراب بمعبر الكركرات ليس مجرد خطوة احتجاجية، بل هو استفزاز مباشر لمشاعر ملايين المغاربة الذين يعتبرون الصحراء المغربية قضية وطنية غير قابلة للمساومة، كما أن محاولة استخدام هذا المعبر كورقة ضغط سياسية لا تختلف كثيرًا عن المناورات التي تقوم بها بعض الأطراف المعادية للمغرب، وهو ما يجعل من الضروري التعامل مع هذا التصعيد بجدية، خاصة وأن الدولة المغربية ليست في موقف ضعف حتى تُبتز بهذه الطريقة، والمغاربة لن يقبلوا بأن تتحول نقابة من المفترض أن تدافع عن حقوقهم إلى أداة تهدد المصالح الاستراتيجية للوطن، ومن ثمة فقد حان الوقت لوضع النقاط على الحروف، وفتح ملفات الفساد داخل هذه البيروقراطية، بدءًا من مساءلة قياداتها عن مصادر ثرواتهم، ومرورًا بافتحاص ماليتها وكشف تفاصيل الدعم الذي تتلقاه، وصولًا إلى محاسبتهم عن تسيير التعاضديات والقطاعات التي يشرفون عليها، لكون المغاربة لن يقبلوا بعد اليوم بأن تستمر هذه القيادات في الاستفادة من الامتيازات دون أية محاسبة، ولن يقبلوا بأن تتحول النقابات إلى أدوات ضغط تهدد المصالح الوطنية، خاصة وأن الدولة تملك كل الوسائل القانونية والدستورية لوضع حد لهذا الوضع، ويبقى تفعيل المحاسبة أمرًا لا مفر منه لضمان عدم تكرار مثل هذه السلوكيات.
إن سياسة الضرب تحت الحزام التي تنتهجها قيادة الاتحاد المغربي للشغل، من خلال تهديد معبر الكركرات، ليست سوى امتداد لمنطق الابتزاز الذي طالما مارسته قياداتها ضد الدولة، غير أن هذا التوجه بلغ اليوم مستوى لا يمكن السكوت عنه، لأنه يمس بالمصالح العليا للوطن، وبالتالي فقد آن الأوان لتفعيل مبدأ “من أين لك هذا؟” داخل هذه المركزية ونقاباتها القطاعية، ووضع حد لعقود من الفساد والتسيب، إذ العمل النقابي يجب أن يظل وسيلة للدفاع عن حقوق العمال، وليس أداة للابتزاز السياسي أو لخدمة مصالح شخصية على حساب الوطن وثوابته.