A place where you need to follow for what happening in world cup

التاريخ بين الحقيقة والتشويه: أوراق مبعثرة من سجل الأمس

0 15

بقلم :جميلة غطاس

يقول المؤرخ الإنجليزي إدوارد كار: “التاريخ سلسلة من التفسيرات، يكتبها الغالب وفق رؤيته، ويعيد صياغتها من يأتي بعده وفق مصلحته.” وما بين السطور المكتوبة والمساحات البيضاء التي لم يُراد لها أن تُكتب، تضيع كثير من الحقائق، فيتحول الجلاد إلى منقذ، والمجاهد إلى طاغية، والمستعمر إلى مصلح.

كولومبس، ماجلان، والحقيقة المبتورة
عُلِّمنا في المدارس أن كريستوفر كولومبس كان مكتشفًا عظيمًا، لكنه لم يكتشف قارة فارغة، بل وضع حجر الأساس لأبشع عمليات الإبادة الجماعية ضد سكان أمريكا الأصليين، حيث أباد ملايين الهنود الحمر بدم بارد. كذلك قيل لنا إن ماجلان كان مستكشفًا، دون أن يُقال إنه حين وطئت قدماه الفلبين، لم يكن هدفه رسم الخرائط، بل محو هوية المسلمين فيها، فهدم المساجد وأقام الكنائس، حتى كانت نهايته على يد مسلمي الفلبين أنفسهم.

الأمويون والعثمانيون: بين السيف والتاريخ
لُقّنّا أن الأمويين كانوا طغاة يتصارعون على الحكم، لكن لم يُذكر أنهم حمَلوا الإسلام شرقًا حتى طرق أبواب الصين، وغربًا حتى أضاءت مآذن قرطبة. أما العثمانيون، فقد وُصفوا بأنهم “الرجل المريض”، ولم يُقال إنهم هم من أسقطوا الإمبراطورية البيزنطية، وفتحوا القسطنطينية، وحموا الأمة قرونًا من الأطماع الصليبية والتوسع الصفوي.

حملة التنوير أم حملة التدمير؟
قيل إن الحملة الفرنسية جاءت بنور العلم إلى مصر، ولم يُذكر أنها كانت أول من نشر التغريب والماسونية، وأشاع الفواحش، ودنس الأزهر، وأعمل سيوفها في رقاب أهل القاهرة حتى سالت دماؤهم في الشوارع.

المماليك وهارون الرشيد: أساطير شوهتها الأقلام
نُعت المماليك بأنهم مجرد عبيد متصارعين على السلطة، ولم يُقال إنهم كانوا سدًّا منيعًا ضد التتار في عين جالوت، حيث أوقفوا زحف المغول وحموا ديار الإسلام. أما هارون الرشيد، فقد قُدم إلينا في صورة أمير مترف غارق في الملذات، ولم نُخبَر بأنه كان مجاهدًا ورعًا، يحج عامًا ويغزو عامًا، ويقود الجيوش بنفسه حتى وصلت راياته إلى أسوار القسطنطينية.

التاريخ.. ذلك المارد المغدور
بين ما يُقال وما يُخفى، تظل الحقيقة رهينة الأقلام المأجورة أو العقول الحرة. فلا تأخذوا التاريخ من الكتب المدرسية وحدها، بل فتشوا عنه في بطون المخطوطات القديمة، وفي شهادات الأمم، فربما تجدون بين السطور المطموسة ما يقلب المعادلة، ويريكم وجوهًا أخرى للتاريخ لم تُرَد لكم أن تروها.

وقفة أخيرة تحت ظل النخيل
كما يقف النخل العربي الأصيل في وجه العواصف، شامخًا متجذرًا في الأرض، هكذا هو التاريخ الحق، لا يزول مهما حاصرته الرياح. فمن أراد الحقيقة، فليكن كالنخل، لا يكتفي بما يُلقى إليه، بل يبحث عن جذوره في أعماق الأرض.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.