حربالي محمد
كيف يمكن لنقابات ترفع شعارات النضال ليلَ نهار أن تفشل في أبسط حقوقها التفاوضية، كفرض توقيع محاضر الاجتماعات؟! ألم ينص بلاغ 19 فبراير 2025 بوضوح على أن كل لقاء يجب أن يُوثَّق بمحضر موقّع فورًا من طرف الوزارة والنقابات؟ فلماذا لم يظهر أي أثر لهذه المحاضر؟ ولماذا تُترك الأسرة التعليمية في ظلام، دون أي توضيح رسمي عن مجريات الحوار؟
الاحتمالات هنا كلها مثيرة للقلق، فإما أن الوزارة، التي يقودها اليوم مسؤولون لم يخفوا عداءهم المسبق للشغيلة، قد قررت التلاعب بالتزاماتها، مستغلة وهن النقابات وعدم قدرتها على تعبئة قواعدها بشكل فعّال، وإما أن هذه النقابات نفسها ليست معنية حقًا بمصالح عموم نساء ورجال التعليم، بل تركز فقط على الملفات التي تخدم “نخبتها” داخل الأجهزة الوطنية.
لكن هناك احتمالًا آخر، لا يقل خطورة يتمثل في ما إذا دخلت القيادات النقابية في تفاهمات خفية، بعيدًا عن أعين المناضلين، بما يخدم أجنداتها الخاصة؟
وإذا أردنا تجنب الاتهامات بالمبالغة، فلننظر إلى النتائج وماذا تحقق بعد جولتين من اجتماعات اللجنة التقنية؟ هل تم حل إشكالات الترقية؟ وهل تمت تسوية ملفات الإدماج؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه إعادة إنتاج لمسلسل طويل من اللقاءات العقيمة، التي لا تفضي إلى شيء سوى مزيد من المماطلة والتسويف؟
أما الجامعة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل التي انسحبت من الحوار احتجاجًا على التفاف الوزارة على مطالب الشغيلة، فلماذا لم تصرّ بعد عودتها على إدراج تلك المطالب كأولوية على طاولة التفاوض؟ هل كان الانسحاب خطوة مبدئية حقًا، أم مجرد تكتيك تفاوضي لم يلبث أن تبدّد عند أول فرصة؟
الحقيقة أن فقدان الثقة في الإطارات النقابية لم يعد مجرد شعور، بل واقع فرضته ممارساتها نفسها، إذ بات واضحًا أن بعض القيادات ترى في الحوار فرصة لتثبيت مواقعها، لا للدفاع عن حقوق المنظومة، وباتت الشغيلة، التي تُركت بين تلاعب الوزارة وارتهان النقابات، مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن تتحرر من هذه الوصاية العاجزة، وتستعيد زمام المبادرة بيدها.
فهل تواصل انتظار الحلول من جهات أثبتت عجزها؟ أم آن الأوان لإعلان أن زمن الترقب قد انتهى، وأن المرحلة المقبلة لن يُسمح فيها بمزيد من العبث والالتفاف؟ وتبقى الأسابيع القادمة وحدها لتكشف المسار الذي سيتخذه هذا الحوار، لكن ما هو واضح حتى الآن، أن الوزارة تفرض إيقاعها كما تشاء، بينما تستمر النقابات في لعب دور “المعارضة الشكلية”، تاركة الشغيلة عالقة بين وعود فارغة وكواليس غير معلنة!