A place where you need to follow for what happening in world cup

المغرب: بين العجز عن التقاط الرسائل والتوجيهات الملكية وإخفاقات الحكومات المتعاقبة

0 42
  1. المغرب: بين العجز عن التقاط الرسائل والتوجيهات الملكية وإخفاقات الحكومة والحاجة إلى تحول حقيقي..
  2. * عبدالله مشنون

  3. – كاتب صحافي مقيم في إيطاليا
    منطلق من السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل نحن أمام حكومة قادرة على تحمل مسؤوليتها وتنفيذ التوجيهات الملكية، أم أننا بصدد تكرار نفس الأخطاء التي جعلت المغرب يتراجع في مؤشرات التنمية سنة بعد سنة؟
    على مرّ السنوات، وجه الملك محمد السادس رسائل واضحة وتوجيهات وانتقادات مباشرة للحكومات المتعاقبة، وذلك بسبب فشلها في إدارة وتدبير شؤون البلاد والعباد وتحقيق التنمية المطلوبة والاستجابة لانتظارات المواطنين.
    ففي خطابه بمناسبة افتتاح البرلمان في أكتوبر من السنة التشريعيّة 2017، قال جلالة الملك بوضوح: “إن المسؤولية مشتركة، وهي تقتضي من الجميع الارتقاء بمستوى العمل، وتحمل الأمانة بكل صدق وإخلاص. وإننا نضع اليوم الجميع أمام مسؤولياتهم، فإما أن يكون المسؤولون في مستوى هذه المرحلة من الإصلاحات، وإلا فلا مكان لهم بيننا.”
    وعلى الرغم من هذه التوجيهات الملكية الواضحة، ما تزال الحكومات المتعاقبة عاجزة التقاط هذه الرسائل ولم تستطع تحقيق قفزة نوعيةً في العديد من القطاعات الحيوية. فالمؤشرات العالمية تؤكد استمرار التراجع في عدة مجالات أساسية مثل: قطاعات التشغيل والتعليم والصحة والرقمنة والحريات.
    فإلى متى سيستمر هذا العجز؟ ومن يتحمل المسؤولية الحقيقية عن هذا الإخفاق؟
    * محور البطالة: أزمة تتفاقم والحكومات بلا حلول:
    في وقت يواجه فيه الشباب المغربي صعوبات متزايدة في إيجاد فرص عمل، تواصل الحكومات اعتماد سياسات غير ملائمة لاحتياجات سوق العمل. فبحسب البنك الدولي، يبلغ معدل البطالة في المغرب 11.9%، ولكنه يرتفع إلى أكثر من 30% بين الشباب (18-34 سنة). هذا الرقم يعكس بوضوح فشل الحكومات في تبني استراتيجيات فعالة لخلق فرص عمل حقيقية، رغم الوعود المتكررة التي بقيت شعارات انتخابية.
    * محور التعليم: إصلاحات شكلية وواقع متدهور:
    ما يزال المغرب يحتل مراتب متأخرة عالميًا في مجال التعليم، حيث يأتي في المرتبة 142 في معدل الأمية، وفقًا لليونسكو. ورغم الحديث المتكرر عن إصلاح المنظومة التعليمية، فإن الوضع لم يتغير بشكل ملموس. يعاني التعليم العمومي من ضعف الجودة، وعدم توافق التكوين مع احتياجات سوق العمل، مما يعمق أزمة البطالة ويؤثر سلبًا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
    * محور الصحة: خدمات متدهورة رغم الميزانيات المخصصة
    يحتل المغرب المرتبة 153 عالميًا في عدد الأطباء لكل 1000 نسمة، بمعدل 1.4 طبيب فقط، بحسب منظمة الصحة العالمية. هذا الوضع يعكس فشل الحكومات المتعاقبة في تطوير القطاع الصحي، رغم الميزانيات التي تُخصص سنويًا لهذا المجال. ولا تزال المستشفيات تعاني من نقص حاد في المعدات والموارد البشرية، مما يضطر المواطن المغربي إلى انتظار طويل في المستشفيات العمومية أو اللجوء إلى المصحات الخاصة بتكاليف باهظة.
    * مجال الرقمنة والذكاء الاصطناعي: تأخر غير مبرر:
    رغم أن الرقمنة أصبحت عاملاً أساسيًا في تطوير الاقتصاديات الحديثة، لا يزال المغرب يحتل المرتبة 87 عالميًا في مؤشر الاقتصاد الرقمي، متأخرًا عن العديد من الدول النامية. كما يأتي في المرتبة 67 في مؤشر الذكاء الاصطناعي، مما يعكس غياب رؤية استراتيجية حقيقية لتعزيز الابتكار التكنولوجي. النتيجة هي استمرار الاعتماد على أساليب تقليدية في الإدارة والاقتصاد، مما يحدّ من فرص الاستثمار والنمو.
    * مناخ الأعمال: عقبات بيروقراطية تعرقل التنمية:
    في كل مرة تتعهد فيها الحكومات بتحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات، تصطدم بالواقع البيروقراطي الذي لا يزال يشكل عائقًا كبيرًا أمام المستثمرين. ورغم احتلال المغرب المرتبة 53 عالميًا في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، يشكو العديد من المستثمرين من بطء الإجراءات وتعقيد المساطر الإدارية، مما يحد من القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
    * مجال أ لحريات: تراجع رغم الخطابات الرسمية:
    في تقرير (فريدوم هاوس) لسنة 2020، جاء المغرب في المرتبة 138 عالميًا في مؤشر الحريات. ورغم الحديث الرسمي عن تعزيز حقوق الإنسان والحريات، لا تزال بعض الممارسات تعكس تناقضًا واضحًا بين الشعارات والواقع، حيث يواجه الصحفيون والناشطون تحديات عديدة في ممارسة حرية التعبير، في وقت تعتبر فيه هذه الحريات ركيزة أساسية لأي نظام ديمقراطي حديث.
    * السؤال المؤرق: من يتحمل المسؤولية؟
    ما يعانيه المغرب اليوم لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لسنوات من سوء التدبير وغياب الاستراتيجيات الفعالة. الحكومات المتعاقبة تتحمل المسؤولية الأولى عن هذا الوضع، لأنها لم تتمكن من ترجمة التوجيهات الملكية إلى سياسات عملية تحقق النتائج المرجوة.
    لقد كان جلالة الملك واضحًا في أكثر من خطاب عندما دعا المسؤولين إلى تحمل مسؤولياتهم. بل إنه لم يتردد في الإشارة إلى أن بعض السياسيين يضعون مصالحهم الشخصية فوق المصلحة العامة. ففي خطابه أمام البرلمان سنة 2017، قال: “المسؤول الذي لا يستطيع أداء مهامه يجب أن يفسح المجال لمن هو أقدر منه، فنحن لا نريد مسؤولين يعتقدون أن دورهم يقتصر على إلقاء الخطابات الفارغة والوعود الكاذبة.”
    ومع ذلك، لا تزال العقليات نفسها تحكم المشهد السياسي، حيث يغيب التقييم الجاد للمسؤولين، ولا تتم محاسبة الفاشلين في تدبير القطاعات الحيوية.
    * لكن ما المطلوب للخروج من الأزمة؟
    إذا أراد المغرب تجاوز هذه التحديات، فلا بد من:
    – ربط المسؤولية بالمحاسبة عبر إقالة المسؤولين الفاشلين في تنفيذ المشاريع التنموية.
    – إصلاح سوق الشغل من خلال تطوير التكوين المهني وربط التعليم بمتطلبات الاقتصاد.
    – تحسين جودة التعليم عبر مناهج حديثة تركز على المهارات بدل الحفظ والتلقين.
    – تعزيز الخدمات الصحية من خلال زيادة عدد الأطباء والاستثمارات في البنية التحتية الصحية.
    – التحول الرقمي كأولوية استراتيجية لتحديث الاقتصاد وتطوير الخدمات الإدارية.
    – احترام الحريات العامة وخلق بيئة ديمقراطية تضمن حرية التعبير وتفتح المجال أمام الصحافة المستقلة.
    * والخلاصة:
    المغرب يحتاج إلى أفعال وليس مجرد شعارات في خطابات. لقد حان الوقت ليتحمل المسؤولون مسؤولياتهم كاملة، فالمواطن المغربي لم يعد يثق في الوعود الجوفاء، بل يريد حلولًا ملموسة تعكس توجهات ملك البلاد الذي لم يتوقف عن المطالبة بالإصلاح الجذري في مختلف المجالات. فإذا لم تسارع الحكومات إلى اتخاذ قرارات جريئة وتطبيقها على أرض الواقع، فإن مسلسل الإخفاقات سيستمر، وستكون التكلفة أكبر على مستقبل البلاد.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.