A place where you need to follow for what happening in world cup

نعيمة سميح.. الصوت الذهبي الذي اختار العزلة ورحل في صمت

0 22

بقلم :احلام اخليفي

نعيمة سميح.. الصوت الذهبي الذي اختار العزلة ورحل في صمت

في وداع مؤثر، فقدت الساحة الفنية المغربية أحد أعذب الأصوات التي طبعت الأغنية المغربية بطابعها الأصيل والمميز. رحلت الفنانة المعتزلة نعيمة سميح، صباح السبت 8 مارس، عن عمر ناهز 72 عامًا، تاركة وراءها إرثًا غنائيًا خالدًا وذكريات لا تمحى من قلوب المغاربة. لم يكن رحيلها مفاجئًا بقدر ما كان صامتًا، تمامًا كما اختارت أن تعيش سنواتها الأخيرة، بعيدة عن الأضواء، محاطة فقط بذكرياتها وصدى أغانيها العاطفية التي لا تزال تسكن الوجدان.

انطلاقة استثنائية وموهبة مبكرة

وُلدت نعيمة سميح في حي درب السلطان بالدار البيضاء، ونشأت في كنف عائلة بسيطة، لكن موهبتها الاستثنائية سرعان ما شقت طريقها نحو الساحة الفنية. البداية كانت من مسابقة غنائية أبهرت فيها الجمهور بأدائها لأغنية “وحياتك يا شيخ مسعود”، لتتوج بالمرتبة الأولى، وتصبح خلال فترة وجيزة إحدى أبرز الأصوات المغربية التي حملت الأغنية الوطنية والعاطفية إلى مستويات راقية.

ألحان خالدة ونجاح لا يُنسى

أدرك الملحن الكبير محمد بنعبد السلام مبكرًا حجم الموهبة التي تمتلكها نعيمة، فخصها بعدد من الروائع التي رسخت اسمها في المشهد الفني، من بينها “الله عليها قصارة” و**”البحارة”، لتتوالى بعد ذلك نجاحاتها مع أسماء وازنة في مجال التلحين والشعر، مثل عبد الرحيم السقاط بأغنية “الخاتم”، وعبد القادر وهبي** الذي منحها التحفة الخالدة “ياك أجرحي”، وأحمد الطيب العلج الذي كتب لها “جاري يا جاري”. حتى العملاق عبد الوهاب الدكالي لحن لها أغنية “رحلة النصر”، تأكيدًا على مكانتها الفنية الرفيعة.

تجربة التمثيل وحضور عالمي

لم تقتصر مسيرة نعيمة سميح على الغناء فقط، بل خاضت تجربة التمثيل في فيلم “الدنيا نغم” للمخرج المصري سمير الغصيني، إلى جانب نجوم مثل عمر خورشيد، ناهد شريف، عبد الهادي بلخياط، وليد توفيق وزياد مولوي. كما وسعت آفاقها الفنية بالغناء باللهجات المصرية والخليجية، وحققت أغنيتها “جيتك لبابك حبيبي”، التي لحنها الموسيقار الكويتي يوسف المهنا، نجاحًا واسعًا لازال يتردد صداه في العالم العربي حتى اليوم.

اختارت المغرب ورفضت بريق المشرق

في الوقت الذي كان الفنانون المغاربة يتجهون نحو المشرق بحثًا عن الشهرة والانتشار، ظلت نعيمة سميح وفية للأغنية المغربية، رافضةً كل الإغراءات. أكدت ذلك في مقابلة تلفزيونية ببرنامج “مسار”، حيث قالت بكل فخر:
“المغرب أجمل بلدان العالم، هو بلد الخير والإحسان، ولو منحوني كل جنسيات العالم مع احترامي للجميع، لن أرضى بغير تراب بلدي.”

ولم يكن نجاحها مقتصرًا على الحدود المحلية، فقد دخلت التاريخ كأصغر فنانة عربية تغني على خشبة مسرح الأوليمبيا بباريس عام 1977، ثالث فنانة عربية بعد أم كلثوم وفيروز تصل إلى هذا الصرح الفني العالمي.

المرض والعزلة وقرار الاعتزال

لم تكن حياة نعيمة سميح خالية من المحن، فقد تأثرت كثيرًا بفقدان أفراد من أسرتها، كان آخرهم شقيقتها الإعلامية زهور، التي كانت سندًا لها في مسيرتها. رحيلها كان له وقع عميق في نفسها، فغنت لها من قلب مكلوم: “شكون يعمر هذ الدار اللي خوتيها”. كما فقدت زوجها، بطل سباق الدراجات مصطفى بلقايد، ما عمّق جراحها النفسية.

زادت معاناتها مع المرض، واضطرت للسفر للعلاج خارج المغرب، لكن الأوجاع لم تكن جسدية فقط، بل نفسية أيضًا، ما دفعها إلى اتخاذ قرار الابتعاد عن الأضواء تدريجيًا. بعد أدائها مناسك العمرة، ارتدت الحجاب، وفضلت العزلة، حتى عن أقرب أصدقائها.

رحيل صامت وحزن عميق

بعد سنوات من الغياب عن المشهد الفني والاجتماعي، جاء خبر رحيلها كالصاعقة، ليترك فراغًا كبيرًا في قلوب عشاقها. لم تكن مجرد فنانة، بل كانت رمزًا للأصالة والوفاء للأغنية المغربية. غادرت نعيمة سميح بصمت، كما اختارت أن تعيش في سنواتها الأخيرة، لكن صوتها سيبقى خالدًا، يروي للأجيال القادمة قصة فنانة أحبها المغاربة بصدق، ورددت كلماتها قلوبهم قبل شفاههم.

رحم الله الصوت الذهبي الذي لن يتكرر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.