بقلم:عمر ادهنو
في يومٍ ما، كانت الحياة كقصيدةٍ عذبة، نردد أبياتها بحبٍ وننقشها بفرحٍ لا ينتهي. كانت البيوت ملاذًا دافئًا، تفتح أبوابها لكل زائرٍ دونما حذر، يستوي في ذلك القريب والغريب، الصديق وعابر السبيل. لم نكن نحسب الوقت، بل كان الوقت يحسب لنا، يمنحنا فسحةً لنعيش، لنضحك، لنحلم، دون أن نشعر بثقل الأيام.
في يومٍ ما، كانت الأعياد أعيادًا، نحتفي بها كما يليق بالفرح، تمتد لأيامٍ طويلة لا تقاس بالساعات، بل بالضحكات، بالمحبة التي تتدفق كجدولٍ صافٍ. لم يكن الحزن ضيفًا معتادًا، وإن زارنا، كنا نطرده سريعًا بتعاضدنا، بمواساتنا لبعضنا البعض. كنا نتزاور، نتحاور، نمدّ الأيادي حين تضعف الخطى، نقتسم اللقمة والفرحة، ونؤمن أن الغد أجمل.
لكن فجأةً، كأن الزمن قرر أن ينقلب على نفسه، فتغير كل شيء. لم يكن بالحسبان أن تذبل الابتسامات، أن تتلاشى الأعياد، أن تصير القلوب غريبةً عن بعضها البعض. ازدادت الحياة ضغوطًا، وأثقلتنا الهموم، فمضينا كلٌّ في طريقه، تتقاذفنا الأيام وكأننا أوراق خريفٍ مبعثرة.
رحل الأحباب واحدًا تلو الآخر، تقلصت الأسر، وغدت الطمأنينة حلمًا بعيد المنال. لم تعد الأبواب تُفتح كما كانت، ولم تعد الأخبار تصل كما كانت. صرنا نعرف عن بعضنا فقط أننا ما زلنا على قيد الحياة، ولكننا بعيدون جدًا عن الحياة التي عرفناها يومًا.
آهٍ على أيامٍ مضت، كيف تحوّلت من واقعٍ نعيشه إلى مجرد ذكريات؟ ذكريات جميلة، لكنها موجعة، كأغنيةٍ قديمة تتسلل إلى القلب فتملؤه شجنًا وحنينًا لما لن يعود…