A place where you need to follow for what happening in world cup

حين يصبح العطاء فعلًا يعيد رسم ملامح العدالة الاجتماعية

0 65

بقلم :فتيحة شهاب

في عالم تتسع فيه الفجوة بين الفئات الاجتماعية، يظل العطاء أكثر من مجرد مساعدة، بل يتحوّل إلى فعل مقاوم لكل أشكال التهميش والإقصاء، وهو ما تجلى بوضوح في المبادرة التي نظّمتها منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، بشراكة مع مؤسسة السلام للإنماء الاجتماعي – مكتب الرباط، لتوزيع كسوة العيد على الأطفال اليتامى. هذه المبادرة لم تكن مجرد لحظة خيريّة عابرة، بل تجربة إنسانية عميقة امتزج فيها الحس التضامني بروح العدالة الاجتماعية، لتعيد طرح تساؤلات جوهرية حول قدرة الفعل الإنساني على مواجهة التفاوت الاجتماعي وتحقيق كرامة الإنسان.

لم يكن هذا الحدث.    مجرّد مناسبة لتوزيع الملابس الجديدة، بل كان احتفالًا بالحياة، حيث امتزجت الأهازيج الروحانية بضحكات الأطفال، وتحولت لحظات الامتنان البسيطة إلى مشهد يختزل المعنى الحقيقي للعطاء. فحين وقف الأطفال، بأعينهم البريئة، يعبرون عن امتنانهم، لم يكن ذلك مجرد شكر، بل كان انعكاسًا صادقًا لحجم الأثر الذي تتركه هذه المبادرات في نفوسهم، وهو ما يفرض سؤالًا أكثر عمقًا: هل يمكن لمثل هذه المبادرات أن تكون بديلًا عن غياب العدالة البنيوية؟

تكريم منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، بقيادة زهرة زربوحي، لم يكن مجرد إشادة بعمل إنساني، بل إقرارًا بأن العطاء، حين ينبع من وعي حقوقي وثقافي، يتجاوز مفهوم “المنح” ليصبح فعلًا متبادلًا بين المانح والممنوح، حيث لا يكون المحتاج مجرد متلقٍّ، بل شريكًا في لحظة إنسانية خالصة تعيد الاعتبار لقيم الكرامة والمواطنة. في مدينة كوزان، حيث تمتزج الروحانية بالبعد الاجتماعي، يظل السؤال قائمًا: هل يمكن لهذه المبادرات أن تتحول من أعمال موسمية إلى مشاريع مستدامة تعزز العدالة الاجتماعية؟

الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في تقديم المساعدات، بل في القدرة على تحويل العطاء إلى مشروع ثقافي وتربوي طويل الأمد، يجعل من قيم التكافل والتضامن جزءًا من الهوية المجتمعية، بدلًا من أن تكون مجرد لحظة احتفالية.    فحين يصبح العيد مناسبة يتجدد فيها الحس التضامني، وحين يتحوّل العطاء من فعل خيري إلى ممارسة يومية، عندها فقط يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية حقيقية لا تُقاس بكمية المساعدات المقدّمة، بل بمدى قدرة المجتمع على توفير حياة كريمة للجميع، دون انتظار المناسبات.

يبقى السؤال مفتوحًا: إلى أي حد يمكن لمثل هذه المبادرات أن تؤسس لرؤية مجتمعية جديدة، تجعل من التضامن والتكافل قاعدة لا استثناء؟ وهل يمكن للعدالة الاجتماعية أن تتحقق حين يصبح العطاء أسلوب حياة، وليس مجرد لحظة عابرة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.