النهضة الدولية
بقلم: حسن عبد الرضي الشيخ
شهد العالم الإسلامي في العقود الأخيرة صعودًا لتيارات الإسلام السياسي التي سعت إلى الجمع بين الدين والسياسة، متبنية خطابًا يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية كأساس للحكم. ومع ذلك، يبدو أن هذه الحركات تواجه تحديات غير مسبوقة قد تسرّع من تراجع نفوذها، مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التطور السياسي في الدول ذات الأغلبية المسلمة. إلا أن التحديات الداخلية أدت إلى فشل ذلك النموذج.
أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الإسلام السياسي هو فشله في تقديم نموذج حكم ناجح. فبعد وصول بعض الحركات الإسلامية إلى السلطة، سواء عبر الانتخابات كما في تركيا وتونس، أو عبر السيطرة المسلحة كما في السودان وأفغانستان، واجهت هذه الحركات صعوبات كبيرة في إدارة الدولة وتحقيق تطلعات الشعوب. تفشي الفساد، سوء الإدارة الاقتصادية، وغياب الرؤية التنموية جعل كثيرًا من المواطنين يفقدون الثقة في هذه التيارات، مما أدى إلى احتجاجات شعبية ضدها، كما حدث في السودان ضد نظام البشير، وفي تركيا ضد سياسات أردوغان، مما يعكس تغيّرًا كبيرًا في المزاج الشعبي.
في كثير من الدول، لم تعد الشعوب ترى في الإسلام السياسي الحل السحري لمشكلاتها، خاصة بعد التجارب الفاشلة في الحكم. حتى في الأماكن التي ما زالت تشهد صراعات مثل غزة، بدأ بعض المواطنين يعبّرون عن استيائهم من الحركات الإسلامية بسبب غياب التنمية واستمرار الأزمات. هذا التحول يعكس رغبة متزايدة في البحث عن نماذج حكم مدنية تحترم الحريات الفردية وتعتمد على الكفاءة في الإدارة بدلاً من الأيديولوجيا الدينية، خاصة مع التوجه العالمي نحو المدنية والديمقراطية.
على المستوى الدولي، هناك توجه متزايد نحو تعزيز الحكم المدني الديمقراطي على حساب الأنظمة ذات الطابع الديني أو الأيديولوجي المتشدد. حتى الدول التي دعمت الإسلام السياسي سابقًا، مثل قطر وتركيا، بدأت تعيد حساباتها بعد أن أصبح من الواضح أن هذه التيارات لا تقدم استقرارًا طويل الأمد، كما هو الحال في السودان، حيث يبحث مواطنوه عن مستقبل ما بعد الإسلاميين.
في السودان، وبعد سقوط نظام الإنقاذ الذي حكم لثلاثة عقود تحت مظلة الإسلام السياسي، يواجه التيار الإسلامي صعوبة في إعادة التمركز بسبب رفض الشارع له. فالشعب السوداني، الذي خاض ثورة ضد الفساد والاستبداد، أصبح أكثر وعيًا بخطورة استغلال الدين في السياسة، وهو ما يعزز فرص بناء دولة مدنية ديمقراطية حقيقية تتجه نحو مستقبل أكثر انفتاحًا.
في ظل هذه التحولات، يبدو أن الإسلام السياسي يفقد بريقه في العديد من الدول، مما قد يفتح المجال أمام أنظمة حكم أكثر مدنية، ترتكز على قيم الديمقراطية، العدالة، والتنمية الاقتصادية بدلاً من الشعارات الدينية. هذه التغيرات لا تعني نهاية الدين في الحياة العامة، بل تعني انتقاله إلى دوره الطبيعي كمصدر للقيم والأخلاق دون أن يكون أداة للسلطة والاستبداد.
بذلك، يمكن القول إن نهاية الإسلام السياسي ليست مجرد احتمال، بل مسار يبدو أنه يترسخ يومًا بعد يوم، مما يمنح الأمل في مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لمجتمعاتنا.