بقلم خلفي فريد
في قلب جماعة لحساسنة، تحت سماء قيادة سيدي المكي بإقليم برشيد، يتكرر المشهد ذاته كل يوم: طرق موحلة، مسالك وعرة، وأهالي يترقبون منذ سنوات بناء قنطرة قد تكون مفتاحًا لفك العزلة التي تحاصرهم. إنها صرخة قروية تمتد من دواري العرارصة والكرارصة، حيث الزمن يبدو متوقفًا عند وعود المسؤولين، فيما تتحول الحياة إلى اختبار يومي لقوة التحمل.
خرج السكان إلى الشارع، ليس طمعًا في امتيازات أو مكاسب سياسية، بل طلبًا لأبسط الحقوق: طريقٌ صالحٌ يربطهم بالعالم الخارجي. لم تكن الشعارات التي رفعوها ترفًا سياسيًا، بل صدى لمعاناة تترجمها أقدام أنهكها السير على مسالك موحلة شتاءً، مغبرة صيفًا، ومعاناة يومية لكل مريض يبحث عن سيارة إسعاف لن تصل، أو تلميذ يقاوم كي لا يكون التعليم رفاهية بعيدة المنال.
مطالب السكان بسيطة: قنطرة تربطهم بمحيطهم، طريقٌ يُمكّن وسائل النقل من الوصول إليهم. لكن هذا المطلب، رغم بساطته، ظل عالقًا بين رفوف الملفات المهملة داخل الإدارات المعنية. في كل مرة، تتجدد الوعود، ومعها تتجدد الخيبات.
ما يزيد من مرارة المشهد هو وقوف المجلس الجماعي ومسؤولي القطاع موقف العاجز، أو ربما اللامبالي، أمام هذه المطالب العادلة. في وقت يفترض أن يكون فيه المنتخبون صوت الشعب وحلقة وصل بين المواطنين وصناع القرار، تحول بعضهم إلى متفرجين على معاناة لا تحتاج إلى بيانات رسمية بقدر ما تحتاج إلى إرادة حقيقية للتحرك.
إن التوجيهات الملكية السامية لطالما أكدت على ضرورة تحقيق العدالة المجالية وتمكين سكان القرى والمناطق النائية من حقوقهم الأساسية في البنية التحتية والخدمات الأساسية. فمنذ سنوات، دعا جلالة الملك إلى إعادة الاعتبار للعالم القروي، والعمل على فك العزلة عنه كجزء لا يتجزأ من ورش التنمية الشاملة التي تنشدها البلاد. لكن على أرض الواقع، لا يزال هذا الملف يراوح مكانه، حيث يبدو أن التنفيذ الفعلي لهذه التوصيات لم يجد طريقه بعد إلى دواوير العرارصة والكرارصة.
في دواوير العرارصة والكرارصة، لا تزال العزلة تفرض قوانينها القاسية، فيما يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيظل هذا الملف حبيس الأدراج؟ وإلى متى سيبقى سكان هذه الدواوير مجرد أرقام في تقارير رسمية تتحدث عن التنمية؟ إنه جرح مفتوح في جسد العدالة المجالية، وجب على المسؤولين التحرك قبل أن تتحول الصرخة إلى غضب، وقبل أن تصبح المطالب العادلة مرادفًا للتمرد على صمت الدولة.