A place where you need to follow for what happening in world cup

حين ينكسر المعنى في بيت الحماية

0 12

بقلم الكاتب :بدر قلاج

في مدينة سيد الزوين، حيث تلتصق الذاكرة الجمعية بطهر الحرف القرآنية، وبصورة بلدة هادئة تنضح بالقيم والانضباط، يهوي القناع فجأة عن وجه مستور. تنكسر الصورة، لا على وقع فوضى أو انحراف جماعي، بل على إثر حادثة مفردة تحمل في طياتها فداحة مجتمع بأكمله: رجل أمن، رمز الحماية والانضباط، يُتهم باغتصاب قاصرين، بعد أن ضبطته زوجته متلبسًا مع أحدهم داخل بيت الزوجية. لحظة السقوط تلك لم تكن مجرد مأساة عائلية، بل شرخًا في الثقة، في المعنى، في ما نظنه ثابتًا.

هنا، لا يتعلّق الأمر بانحراف فردي يمكن احتواؤه في سياق العقاب، بل بتصدّع عميق في بنية التصورات التي نحملها عن السلطة، عن الحماية، عن البيت بوصفه مأمنًا، وعن رجل الأمن بوصفه حاميًا. حين يتحول من مُوكَل إليه أمر الطمأنينة إلى مصدر للرعب، تنهار اللغة، وتنهار المؤسسات الرمزية، ويصبح كل شيء معرّضًا للارتياب.

الفاجعة لا تبدأ فقط من لحظة الاغتصاب، بل من لحظة الخيانة التي مارستها السلطة تجاه البراءة. ومن لحظة الصمت التي قد ترافق الفعل، إما خوفًا أو تواطؤًا أو لا مبالاة. الفعل لا يُحاكم في معزل عن سياقه، بل يُفهم بوصفه تجلٍّ لعطب بنيوي: عطب في التكوين، في المراقبة، في ثقافة السلطة حين تُفرَغ من البعد الأخلاقي وتُترك عارية إلا من زيّها.

القضية تطرح أسئلة لا عن المتهم فقط، بل عن المجتمع: عن آليات المحاسبة، عن دور المؤسسات، عن مدى قدرة القانون على الصمود أمام من يحتمون بالسلطة، لا بها. ماذا لو تم التستر؟ ماذا لو تم تمييع الملف بدعوى التوازنات؟ ماذا لو انكفأ الإعلام، وخفُتَ الصوت، وبقي الضحايا أسرى الصدمة دون سند؟

العدالة، إن لم تكن شاملة، تتآكل. لا تكفي الإدانة القضائية إن لم ترفق بإعادة تأهيل الضحايا نفسيًا واجتماعيًا، ولا تكفي شعارات الدولة إن لم تنعكس في صرامة تطبيق القانون. في مثل هذه الحوادث، تسقط صورة الفرد، لكنها تكشف أيضًا هشاشة البنية التي سمحت له بالتوحش داخل الفضاء الذي من المفترض أن يكون آمنًا.

مدينة الحفظ، فجأة، تغدو مدينة للخذلان. والمفارقة أن من علّم الناس الحرف، نسِي كيف يُصان الجسد. من رفع شعار الفضيلة، مارس الخطيئة في الظل. وهكذا، حين تُغتصب البراءة باسم الحماية، لا يعود هناك من معنى لأي سلطة، لأي انضباط، لأي قداسة. وتصبح القضية مرآةً مؤلمة: هل نحن مجتمع أخلاقي، أم مجتمع شعارات؟

في النهاية، لا يسقط القناع عن وجه الجلاد فقط، بل عن وجوهنا جميعًا، حين نرتضي الصمت، أو نمارس التبرير، أو نتواطأ ببرودة. المأساة ليست فردية، بل جمعية. إنها سؤال معلق في هواء المدينة: ماذا تبقى من صورة النقاء، حين يصبح البيت مسرحًا للجريمة، ويغدو الحامي هو المغتصِب؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.