بقلم الحيمر مريم
بات مشهد انتشار الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية في شوارع مدننا أمراً مألوفاً، ولكنه في الوقت نفسه يثير قلقاً متزايداً لدى المواطنين. هؤلاء الأفراد، الذين يجدون أنفسهم بلا مأوى أو رعاية كافية، غالباً ما يعانون في صمت، لكن وجودهم يشكل في كثير من الأحيان تهديداً حقيقياً لأمن وسلامة المجتمع.
لا يخفى على أحد أن هؤلاء المختلين عقلياً قد يتصرفون بشكل غير متوقع نتيجة لحالتهم الصحية. قد يعانون من نوبات هياج أو عدوانية، أو قد يشكلون خطراً على أنفسهم وعلى المارة من خلال سلوكيات غير آمنة. قصص الاعتداءات أو الحوادث المؤسفة التي يكون هؤلاء الأشخاص طرفاً فيها تتداول بين الحين والآخر، مما يزيد من حالة الخوف وعدم الاطمئنان لدى السكان.
إن أسباب تفاقم هذه الظاهرة متعددة ومتداخلة. قد يعود ذلك إلى نقص الدعم النفسي والصحي المقدم لهذه الفئة، أو إلى ضعف آليات الرعاية الاجتماعية التي من المفترض أن تحتضنهم وتحميهم. كما أن تفكك الأسر وتخليها عن مسؤوليتها تجاه أفرادها الذين يعانون من مشاكل عقلية يساهم بشكل كبير في تفاقم المشكلة.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: هل من سبيل لتدخل الدولة لوضع حد لهذا الوضع المقلق؟ الإجابة، بكل تأكيد، هي نعم. فالدولة، باعتبارها المسؤولة عن أمن وسلامة مواطنيها، مطالبة بالتحرك العاجل والفعال لمواجهة هذه الظاهرة.
يجب أن يكون التدخل شاملاً ومتكاملاً، ولا يقتصر فقط على الجانب الأمني. أولاً، يتعين على الدولة تعزيز البنية التحتية للرعاية الصحية النفسية، وتوفير المزيد من المراكز والمستشفيات المتخصصة التي تستقبل هؤلاء الأشخاص وتقدم لهم العلاج اللازم. كما يجب توفير فرق طبية ونفسية متنقلة تقوم بجولات استباقية في الشوارع لتحديد الحالات المحتاجة وتقديم الدعم الأولي لها.
ثانياً، لا بد من تفعيل دور مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وتوفير دور إيواء آمنة ومجهزة لاستقبال المختلين عقلياً الذين لا مأوى لهم. يجب أن تكون هذه الدور بيئات علاجية وتأهيلية تساعدهم على استعادة جزء من استقلاليتهم وكرامتهم.
ثالثاً، ينبغي على الدولة أن تضع آليات واضحة للتعامل مع الحالات الطارئة التي تشكل خطراً على الأمن العام. يجب أن تكون هناك فرق متخصصة ومدربة على التعامل مع هذه الحالات بحذر وإنسانية، ونقل الأشخاص الذين يشكلون خطراً على أنفسهم أو على الآخرين إلى مراكز العلاج المناسبة.
وفي الختام، إن ظاهرة انتشار المختلين عقلياً في الشوارع ليست مجرد مشكلة اجتماعية عابرة، بل هي قنبلة موقوتة تهدد أمن وسلامة المواطنين وتسيء إلى صورة مجتمعنا. التدخل العاجل والمسؤول للدولة، من خلال تبني استراتيجية شاملة ومتكاملة، لم يعد خياراً بل ضرورة ملحة لحماية هؤلاء الأفراد وحماية المجتمع ككل. إن توفير الرعاية الصحية والنفسية المناسبة، وتوفير المأوى الآمن، وتفعيل دور المؤسسات الاجتماعية، ونشر الوعي المجتمعي، هي الخطوات الأساسية نحو حل هذه المعضلة الإنسانية والأمنية.