هيئة التحرير
بين أزقة مراكش العتيقة، حيث تحكي الجدران حكايات قرون خلت، ترتفع الأصوات كلما سقط حجر، ثم يخفت الصدى سريعًا، وكأن المدينة اعتادت أن تبكي نفسها بصمت. ليست مجرد حجارة تتهاوى، بل تاريخ يتلاشى، وذاكرة تغيب بين زلزال ومطر وإهمال.
في الخامس من مارس، اهتز حي درب الجديد قاع المشرع على وقع انهيار جديد، جزءٌ من حائط رياض يأوي أربعة أجانب انحنى تحت وطأة الزمن، وكأن المدينة تُعلن، بصوت الخراب، عن هشاشتها المتفاقمة. لم تُسجَّل خسائر في الأرواح، لكن مراكش خسرت لبنة أخرى من بنيانها العريق، كما خسرت حي سيدي بنسليمان الجزولي قبله، حين سقطت خمسة منازله دفعة واحدة، بلا ضجيج سوى تململ الطوب العجوز وهو ينصاع لمصيره المحتوم.
مراكش، تلك اللوحة التاريخية التي صاغتها قرون من الحضارات، باتت اليوم مسرحًا لانهيارات متكررة، لا بفعل الطبيعة فحسب، بل تحت وطأة الإهمال ونقص الصيانة وتأخر التدخلات الوقائية. هنا، لم يعد سقوط الجدران حادثًا عرضيًا، بل جزءًا من دورة حياة المدينة، حدثٌ متوقع، لا يثير إلا موجة عابرة من الامتعاض قبل أن تعود الحياة إلى مجراها، وكأن شيئًا لم يكن.
ويبقى السؤال معلقًا على شرفات الرياضات القديمة: إلى متى سيستمر هذا النزيف العمراني؟ وهل ستظل مراكش العتيقة ضحية صمتٍ رسمي، يوازي صمت الأزقة وهي تتآكل تحت أقدام العابرين؟ ليست الجدران وحدها من تسقط، بل الذاكرة، وقطعة من روح مدينة كانت يومًا تُعانق المجد، قبل أن يطويها النسيان.