A place where you need to follow for what happening in world cup

القفف الرمضانية: بين العمل الاجتماعي والتوظيف السياسي

0 57

بقلم عبد الغني جبران

 

مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، تشهد الساحة السياسية المغربية عودة بعض الممارسات التقليدية التي تعكس هشاشة المشهد السياسي الوطني، وفي مقدمتها توظيف المساعدات الاجتماعية في الحملات الانتخابية. توزيع القفف الرمضانية، الذي يفترض أن يكون عملًا خيريًا نابعًا من روح التكافل الاجتماعي، تحول في بعض الحالات إلى أداة سياسية تُستغل في استمالة الناخبين والتأثير على قراراتهم الانتخابية.

إن لجوء بعض الأحزاب السياسية إلى تقديم المساعدات الغذائية في سياق انتخابي لا يخرج عن إطار محاولة شراء ولاء الناخبين، في خرق واضح لمبادئ تكافؤ الفرص ونزاهة العملية الانتخابية. عندما تُستغل إمكانيات الدولة، سواء في التخزين أو التوزيع أو اللوجستيك، لخدمة أجندة سياسية ضيقة، فإن الأمر يتجاوز مجرد تقديم الدعم الاجتماعي ليتحول إلى إساءة لاستخدام السلطة وتبديد للمال العام.

توزيع القفف الرمضانية في سنة ما قبل الانتخابات يُثير إشكالات قانونية وسياسية عميقة. فمن الناحية القانونية، تُعتبر هذه الممارسات انتهاكًا صريحًا لمقتضيات القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، الذي ينص على ضرورة الفصل بين العمل الخيري والعمل السياسي، ويُجرّم استغلال الموارد العامة في خدمة مصالح انتخابية. أما من الناحية السياسية، فإن اللجوء إلى هذه الأساليب يعكس غياب رؤية استراتيجية لدى بعض الأحزاب، وعجزها عن إقناع المواطن من خلال برامج واضحة ومشاريع تنموية حقيقية.

إن تقديم القفة الرمضانية في ظرفية انتخابية يُشكل إخلالًا بقواعد التنافس الديمقراطي، لأن التوجه الديمقراطي السليم يقتضي أن يكون التنافس قائمًا على تقديم البدائل الاقتصادية والاجتماعية، لا على توزيع المساعدات الغذائية. الناخب المغربي اليوم لم يعد ساذجًا أمام هذه الأساليب، بل أصبح أكثر وعيًا وقدرة على التمييز بين المبادرات الاجتماعية الصادقة والممارسات الانتخابية المكشوفة.

الأخطر في هذا السياق هو استغلال إمكانيات الدولة في هذا النوع من الحملات المقنعة، مما يُفقد العملية السياسية مشروعيتها، ويُؤسس لتداخل غير مشروع بين العمل الحكومي والعمل الحزبي. فالسلطة التنفيذية ملزمة بتدبير الموارد العامة وفقًا لمبدأ الحياد السياسي، وأي انحراف عن هذا المسار يُعتبر إضرارًا بمبدأ سيادة القانون، وتوجيهًا غير مباشر لإرادة الناخبين.

من جهة أخرى، يُشكل توظيف القفف الرمضانية في الحملات الانتخابية تهديدًا للاستقرار السياسي، لأنه يُعزز مناخ الريع السياسي، ويُضعف الثقة في المؤسسات. عندما يشعر المواطن أن العملية الانتخابية تُختزل في قفة غذائية موسمية، فإنه يفقد ثقته في العملية الديمقراطية برمتها، وينظر إلى الانتخابات باعتبارها مجرد سوق لشراء الأصوات بدلًا من كونها وسيلة لاختيار من يُقدم الحلول الحقيقية لمشاكله الاقتصادية والاجتماعية.

إن معالجة هذه الظاهرة تقتضي إعادة النظر في الإطار القانوني المنظم للتمويل الحزبي، ووضع ضوابط صارمة تمنع استغلال الموارد العامة في الحملات الانتخابية. كما أن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها مطالبة بلعب دور أكبر في رصد هذه التجاوزات، واتخاذ ما يلزم من تدابير قانونية لمواجهة هذه الظواهر.

الرهان الأساسي اليوم هو على وعي الناخب المغربي، الذي أصبح أكثر قدرة على التمييز بين العمل السياسي الجاد والممارسات الشعبوية. فإذا كان بعض الفاعلين السياسيين يعتقدون أن الانتخابات تُكسب بشراء الأصوات من خلال “القفة”، فإنهم يستخفون بوعي المواطن المغربي الذي بات يدرك أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى برامج تنموية واضحة، والتزام صادق بحل المشكلات الهيكلية، وليس إلى مساعدات موسمية مؤقتة.

لذلك، فإن كسب ثقة الناخبين لا يكون عبر توزيع القفف، بل عبر تقديم سياسات عمومية ناجعة، وتعزيز مناخ الثقة في المؤسسات، والالتزام بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فالرهان الحقيقي في الانتخابات المقبلة لن يكون على “القفة”، وإنما على البرامج، والقدرة على إحداث تغيير ملموس في حياة المواطنين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.