*
✍️محمد الحجوي
في ظل صمتٍ مطبقٍ يُخيّم على أحياء إقليم قلعة السراغنة، تندلع فاجعةٌ تزلزل الضمير الإنساني وتكشف عن وجهٍ آخر للوحشية التي قد تُختبئ خلف جدران البيوت التي يُفترض أن تكون ملاذاً للأمان. قصةٌ مروعة لفتاةٍ صغيرة وقعت ضحيةَ أبٍ حوّل الأبوة من حمايةٍ إلى جريمة، وانتهك حرمة الدم والقرابة تحت سقفٍ كان يجب أن يكون ستراً وعفافاً. أمٌّ في حالة صدمةٍ عجزت عن مواجهة الكابوس، وأطفالٌ بُراء تُركوا في الشارع كأنهم حطامٌ بشريٌّ تخلّى عنهم الجميع.
هذه الجريمة ليست مجرد انتهاكٍ فردي، بل هي صرخةٌ في وجه مجتمعٍ يغضّ الطرف عن آلامٍ تُرتكب في الخفاء، ويترك الضحايا في دوامةٍ من الخوف والعوز. فمن المسؤول عن هذه السيدة وأطفالها الذين باتوا بلا مأوى؟ وكيف يمكن كسر حاجز الصمت الذي يسمح بتكرار مثل هذه المآسي؟
القضية هنا تتجاوز الحدث البشع نفسه إلى تساؤلاتٍ أكبر عن دور المؤسسات الاجتماعية والقانونية في حماية الضعفاء، وعن الثقافة التي تدفع بالأمهات إلى الصمت رغم الجراح. إنها دعوةٌ للكشف عن الجروح الغائرة، ومواجهة الوحوش التي تختفي وراء أقنعة “الشرف” والعائلة.
في نهاية هذا الكشف المأساوي، تظل قضية الفتاة التي انتهكها أقرب الناس إليها جُرحاً غائراً في جسد المجتمع المغربي، خاصة في مناطق مثل قلعة السراغنة حيث تختلط ثقافة الصمت بالخوف والعجز. الأم المُنهارة، التي تركت أطفالها في الشارع هرباً من كابوس لا تُطيق مواجهته، ليست سوى ضحية أخرى في سلسلة من الضحايا الذين يدفعون ثمن غياب العدالة والحماية الاجتماعية.
هذه الجريمة ليست حدثاً معزولاً، بل هي صرخة مدوية تستدعي وقفة جادة من الدولة والمجتمع المدني. فكيف يمكن لمؤسسات الحماية أن تتدخل بفعالية؟ وأين دور القانون في محاسبة الجناة وإنصاف الضحايا؟ الأسئلة كثيرة، لكن اليقين الوحيد هو أن الصمت لن يكون حلاً. يجب كسر طوق العار الزائف ورفع الصوت عالياً لضمان أن لا تبقى هذه الجرائم طي النسيان، وأن يُمنح الضحايا فرصة للعدالة والتعافي.
فهل نتحرك اليوم لإنقاذ أطفال تركوا في العراء، أم ننتظر غداً لنكتشف أن الجريمة تكررت من جديد؟ الخيار بين أيدينا، والوقت ليس في صالح الضحايا.