بسم الله الرحمان الرحيم
ثورة بالمملكة المغربية عمرها 25 عاما
عبد الرحيم بن عينوس
لا شك أن الهجرة عامة لها مستويين اثنين لا ثالث لهما: هجرة اضطرارية وهجرة اختيارية: فالاضطرارية هي مايكون فيها المهاجر تاركا بلده أو وطنه بسبب مواقف سياسية أوعدم ايجاد فرصة عيش كريم ببلده. فيكون مضطرا لترك الوطن، إما خوفا من بطش النظام الحاكم او من الفقر والحاجة. بينما المهاجر اختياريا، فإنه يترك بلده بحثا عن فرصة أفضل إما من الناحية العلمية أو الاقتصادية وإما سياحية ضربا في الارض
وفي كل الاحوال، فإن المهاجر المغربي، يترك بلده بجسده ولكنه يحمل وطنه في قلبه أينما حل وارتحل. لذلك تجده لا يغيب عن بلده كثيرا إلا مضطرا. لكنه يبرمج زياراته للوطن بشكل منتظم بين الحين والاخر. هذا مع انخراطه في برامج شتى للتعريف ببلده ونشر الوعي بتاريخه وثقافته وقضيته المحورية الكبرى، قضية الصحراء المغربية سواء بشكل منظم أو بمبادرة شخصية بدافع الغيرة على وطنه .
وقد انخرط مغاربة العالم بشكل مكثف ومنتظم وعقلاني فيما يسمى بالديبلوماسية الموازية لبلدهم في الآونة الاخيرة، خصوصا على عهد صاحب الجلالة محمد السادس حفظه الله وأمد في عمره. وخلال ربع قرن من حكم أمير المؤمنين للبلد، فقد حصلت ثورة بكل ما في الكلمة من معنى في كل مجالات الحياة بالمغرب .
ففي مجال الحقوق والحريات، شهدنا ثورة ملموسة تمثلت في خلق قطيعة بين مرحلة حكم الملك الحسن الثاني رحمه الله تعالى والفترة الحالية، حيث أشرف جلالته على تكوين لجنة الانصاف والمصالحة مع عوائل ضحايا ماسمي بسنوات الرصاص وكلف جلالته مسؤولا عنها لإنهاء هذا الموضوع وفتح صفحة جديدة في ظل حكم جديد يملؤه الأمل بخلق فضاء جديد بين الملك والشعب أساسه الثقة والمحبة والولاء للعرش العلوي المجيد والمملكة المغربية الشريفة. مما شكل إرتياحا كبيرا لدى المغاربة قاطبة، فأصبح ملك الفقراء ، كما أحب المغاربة تسميته في بداية حكمه ، إلى ملك الحريات وشرع المغاربة يتحدثون في أي شيء يريدون دون خوف أو وجل. وبذلك انطلقت فترة جديدة في ظل حكم صاحب الجلالة محمد السادس حفظه الله، هي فترة حرية في التعبير وحرية في الصحافة والنشر، مع ماعرفه هذا الحقل من تراجعات خلال الفترة الأخيرة مع للحكومة الحالية. وأصبح من لم يكن يجرؤ على الحديث عن قائد منطقة فيما قبل، يتداول أخبارا عن حياة صاحب الجلالة الخاصة، الشيء الذي كان من الطابوهات فيما قبل
وفي مجال الصناعة والتجارة، فقد حصلت ثورة لامثيل لها ، لا في شمال أفريقيا ولا في أفريقيا كلها، حيث انخرطت المملكة في صناعة السيارات حتى أصبحت الأولى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط في صناعة وبيع السيارات. كما انخرطت المملكة في ظل حكم صاحب الجلالة في صناعة قطع غيار الطائرات ، حتى أن شركة الإيرباص، المتخصصة في صناعة الطائرات، قالت أنه ليس هناك طائرة تطير بالسماء إلا وبها قطعة غيار صنعت بالمغرب. وهذه مفخرة للمملكة المغربية الشريفة الصاعدة في سلم الدول النامية
وفي مجال التجارة الدولية، فالمملكة انخرطت في اتفاقيات مع كثير من الدول الافريقية فيما أطلق عليه صاحب الجلالة أعزه الله تعاون جنوب – جنوب، وعلى رأس ذلك مشروع أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا. هذا البلد الذي كان فيما قبل ضمن معسكر جارتنا التي تقف ضد وحدتنا الترابية، فاختارت، بعد تفكير وتمحيص، عين العقل والربح المتبادل بين البلدين الشقيقين فوقعت اتفاقية مع المغرب على مشروع مد أنبوب للغاز يمد المغرب واوربا بالبترول مرورا بكثير من الدول الأفريقية
وهذا المشروع الكبير سوف يقحم كثيرا من الدول في اتفاقيات أمنية وتجارية سوف تعود على المملكة بالخير العميم. وهذا بفضل سياسة صاحب الجلالة الحكيمة ورؤيته البعيدة الثاقبة.
كما حدثت ثورة في مجال الإعمارعلى غرار بناء برج محمد السادس الذي يعتبر أعلى برج على مستوى أفريقيا بطول يصل إلى 250 متر وتكلفة تصل إلى 417 مليون دولار أمريكي. وكذلك مد الطرقات السيارة والقطار السريع ليصل إلى أماكن لم تكن تصلتها من قبل. وللإشارة فالمغرب يتوفر على أسرع قطار بكل أفريقيا. ومن ضمن الثورة التي حصلت خلال عهد الملك محمد السادس، إقامة مشاريع كبيرة جدا رشحت كأكبر مشروع بالعالم وهو مشروع الطاقة الشمسية نور بمنطقة وارزازات
المجال الرياضي في عهد محمد السادس
وفي المجال الرياضي، لن تخطئ العين السياسة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله في المجال الرياضي بإحداث أكاديمية محمد السادس لكرة القدم التي تعتبر فريدة من نوعها في الوطن العربي والأفريقي، مما جعل المغرب يحظى بمكانة عالية في مجال الرياضات وخصوصا كرة القدم التي تبوأ من خلالها المنتخب المغربي للكبار على المرتبة الرابعة عالميا خلال كأس العالم بقطر الشقيقة سنة 2022. وكذلك فوز منتخب الشبان بكأس أفريقيا سنة 2023 بالإضافة إلى فوز فريق المغرب للفوت صال بكأس العالم تحت 20 سنة كما فاز المغرب بثلاث بطولات أفريقية على التوالي. وما فوز الفريق الاولمبي بفرنسا 2024 بالميدالية البرونزية منا ببعيد. وكل ذلك بسبب هذا الصرح الرياضي الكبير، (أكاديمية محمد السادس لكرة القدم)، الذي يرعى المواهب الشبابية في كرة القدم. وليس من الغريب أن نجد فريقا أو اثنين في كرة القدم من البطولة المغرب
بقية الصفحة 20\ ناهيك عن أبطال المغرب في العدو الريفي منذ سعيد عويطة ونوال المتوكل وصولا إلى سفيان البقالي الفائز بذهبية بأولمبياد فرنسا 2024 مرورا بهشام الكروج وغيرهم من أبطال المغرب.
وبشكل عام، فإن فترة حكم الملك محمد السادس حفظه الله كانت ثورة في كل المجالات. فهو رجل كتوم ولكنه خدوم لبلده منجز لمشاريع تنموية ترفع من شأنه ومحب لشعبه بشكل لا يوصف.
ولذلك فهو يهتم بشعبه عامة وبالجالية المغربية المقيمة بالخارج خاصة. فقد تجسد هذا الحب وهذا الاهتمام بالجالية المغربية المنتشرة بكل العالم من خلال خطابه السامي لسنة 2005 بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء حيث قال بالحرف
. وإننا لحريصون على تعزيز ما حققته بلادنا من مكاسب، على درب الوحدة والديمقراطية والتنمية
لقد خلقت المسيرة مغربا جديدا. وإننا لحريصون على تعزيز ما حققته بلادنا من مكاسب، على درب الوحدة والديمقراطية والتنمية، بفضل جهود كل أبناء شعبنا، داخل الوطن وخارجه .
وفي هذا الصدد، نشيد بالدور الفعال لجاليتنا المقيمة بالخارج، التي نعتبرها من مقومات المغرب الجديد. بل وفي طليعة الفعاليات، التي تساهم بكل صدق وإخلاص، في تنمية بلادنا، والدفاع عن وحدتها الترابية، وإشعاعها الخارجي، في ارتباط وثيق بهويتها المغربية الأصيلة .
وتجسيدا لتجاوبنا العميق مع التطلعات المشروعة لمختلف أجيالها، في ممارسة المواطنة الكاملة، ولضمان مشاركة ناجعة، وذات مصداقية، لمواطنينا المهاجرين، في كل مؤسسات ومجالات الشأن العام، فقد اتخذنا أربعة قرارات هامة ومتكاملة :
أولها : تمكين المغاربة المقيمين بالخارج من تمثيلهم، عن جدارة واستحقاق، في مجلس النواب، بكيفية ملائمة وواقعية وعقلانية .
أما القرار الثاني، المترتب عن الأول، فيتعلق بوجوب إحداث دوائر تشريعية انتخابية بالخارج، ليتسنى لمواطنينا بالمهجر اختيار نوابهم بالغرفة الأولى للبرلمان. علما بأنهم يتمتعون، على قدم المساواة، بالحقوق السياسية والمدنية، التي يخولها القانون لكل المغاربة، ليكونوا ناخبين أو منتخبين بأرض الوطن.
ويأتي قرارنا الثالث، بتمكين الأجيال الجديدة من جاليتنا العزيزة، من حق التصويت والترشيح في الانتخابات، على غرار آبائهم، تجسيدا لمبدإ المساواة في المواطنة .
ولهذه الغاية، نصدر تعليماتنا للحكومة، لاتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ هذه القرارات الثلاثة، عند مراجعتها لمنظومة الانتخابات. وسيظل هدفنا أبعد من ذلك، في التجاوب مع الطموح الكبير، لمواطنينا المقيمين بالخارج، بفتح كل فضاءات وأنماط المشاركة أمامهم .
ومن هنا كان قرارنا الرابع، بإحداث مجلس أعلى للجالية المغربية بالخارج، برئاسة جلالتنا، يتم تشكيله، بكيفية ديمقراطية وشفافة، تكفل له كل ضمانات المصداقية، والنجاعة والتمثيلية الحقة. على أن يضم أعضاء نتولى تعيينهم، من ضمن الشخصيات المشهود لها بالعطاء المتميز، في مجال الدفاع عن حقوق المغاربة المهاجرين، وعن المصالح العليا للوطن، بالإضافة إلى ممثلين عن السلطات والمؤسسات المعنية بقضاياهم
. وتندرج هذه القرارات والتوجهات في سياق استراتيجية شمولية ثلاثية الأبعاد،
تأخذ بعين الاعتبار، كون المغرب يعد مصدرا للهجرة، ومعبرا ووجهة له
ا هذه الرؤية الثاقبة لإشراك أعضاء الجالية المغربية في تشكيل المشهد السياسي بالمغرب، كانت مبادرة من جلالته لبناء مغرب حديث وجديد يستفيد من كل أبنائه ويستغل كل طاقاته. لما فيه مصلحة الوطن الحبيب .
لكن، مع كل هذا، مع الاسف، فإن هذه الرؤية قد تم التراجع عنها وتم طمس معالمها والإلقاء بحلم مغاربة العالم في أغوار البحار من طرف الاحزاب السياسية التي نكصت عن مبادئها وخانت العهد مع منتخبيها، في الوقت الذي كان من الممكن تبني أفكار صاحب الجلالة وبلورتها وتنزيلها على أرض الواقع كما كل البلدان العربية التي سبقتنا في هذا الشأن مثل مصر وتونس وغيرهم ا.
إن الجالية المغربية المقيمة بالخارج لتواجه تحديات كبرى: فمن مجاهدتها للغربة والبعد عن الوطن الحبيب والعائلة والأهل والأحباب، ومحاولة فرض نفسها بالبلد المضيف اعترافا بها، ودفاعا عن مقدساتها وتعريفا ببلدها الأصل، إلى الخيانات التي تواجهها من طرف الأحزاب السياسية الناكصة عن عقودها المتراجعة عن مبادئها في الدفاع عن المغاربة عامة وعن الجالية المغربية المقيمة بالخارج خاصة .
أضف إلى ذلك التحدي الكبير في مواجهة وملاقاة الممثلين الديبلوماسيين المغاربة الذين، عوض أن يكونوا خُدَاما لرعايا صاحب الجلالة بالخارج ويقضون حاجاتهم بكل أريحية وطيب خاطر، فإنهم، وليس كلهم طبعا، يجعلون من السفارات مثل مخفر شرطة، ظاهره جدران إسمنتية لا تحس بردا ولا حرا، وداخله قلوب قاسية ظلفة فظة لا تحس باحتياجات المغاربة بالمهجر وتجعل المواطن المغربي يكره ولوج ذلك البيت المغربي الذي من المفروض أن يحس فيه بالفرحة والسرور والأريحية. ولولا قضاء معاملات اضطرارية، لم يجلوها، مع الأسف، ولا اتخذوها قبلة لهم. ومع ذلك فهناك، أناس يمثلون الوطن ويمثلون صاحب الجلالة بكل روح وطنية عالية، وفية لوطنها ولملكها، وخادمة لرعايا صاحب الجلالة بكل حب وسعة صدر وتفهم لمتطلبات الجالية.
وفي هذا الإطار، أتوجه إلى صاحب الجلالة، عبر هذا المنبر الإعلامي الحر، لكي يُخضِع الممثلين الديبلوماسيين للمراقبة المستمرة والضرب على أيادي كل من يهينون الجالية المغربية ويتهاونون في خدمتها وقضاء حوائجها. وكل من يثبت فيه عدم الكفاءة ودونية الإنجاز في إطار الرؤية الملكية الديبلوماسية، وتحقيق الأهداف المنشودة لوطننا، يتم استبداله بمن هو أكفأ منه، وفي كل الأحوال يتم تدوير الديبلوماسيين كل أربع سنوات، حتى تتجدد الدماء ويتحقق الإنجاز المطلوب. فهناك من صدئ من الديبلوماسيين في مكانه دون أن يقدم شيئا يذكر للوطن وللمواطنين على حد سواء، بل إنه طمس كل الجهود التي قدمتها الجالية المغربية قبل وصوله للبلد المضيف، وخلق الفرقة والتشتت في صفوفها، بعدما كانت مثالا يتحدى به وظلا تستظل تحته الجاليات العربية الأخرى بشهادة ديبلوماسيين عربا. والله المستعان .
أخيرا، أود أن أشير أن المهاجر المغربي تسكن فؤاده الوطنية. والوطنية ليست دروسا تدرس في الفصول، وإنما هي قيم يشربها المواطن مع لبن أمه، ويتشربها خلال مقامه خارج وطنه. فكم من مواطن يتمرغ في خيرات بلده، ولكنه لا يحس بتلك النعمة التي حباه الله بها. بينما هناك مواطنون خارج الوطن، بعيدون عن الاهل والاحباب، ولا يتنعمون بخيرات البلد، بينما يحسون بالوطنية الحقة تسري في عروقهم مثل الدم، وتتنفسها أجسادهم مثل الأكسجين في رئتيهم لايفترون عنها ولو للحظة. فعند الشهيق يتنفسون الوطنية وعند الزفير يتذكرون الوطنية. فالوطنية بالنسبة لهم هي الحياة شهيقا وزفيرا. فما بالك عندما يكون وطنك هو المغرب الحبيب؟ وملكك من سلالة النبي الكريم؟ وشعبك أكرم شعب وطئت قدماه أرض رب العالمين
حتما سيكون شعارك: الله ، الوطن، الملك
….
كتبه : عبدالرحيم بن عينوس
رئيس جمعية الجالية المغربية للتضامن بموزمبيق
مابوتو – موزمبيق: 13/08/2024
