- بقلم :بنعمي حميد
في قاعة المركب الثقافي بحي الحسني بمراكش، شهد جمهور الأطفال عرضًا مسرحيًا استثنائيًا بعنوان “غضب الحروف”، من تقديم فرقة مسرح أيوب (سيمسمة)، وذلك يوم الأربعاء 18 دجنبر 2024. يأتي هذا العرض في إطار الأيام الثقافية والفنية والرياضية التي ينظمها مجلس مقاطعة المنارة احتفالًا بالذكرى الـ49 للمسيرة الخضراء وعيد الاستقلال. لم يكن العرض مجرد عمل ترفيهي للأطفال، بل تجربة رمزية عميقة تسبر أغوار العلاقة الجدلية بين الإنسان واللغة، بين القلم كأداة إبداع والحروف كمصدر للمعاني والقيم.
تسرد المسرحية حكاية رمزية ثارت فيها الحروف على القلم احتجاجًا على إساءة استخدامها في كتابة كلمات جارحة وظالمة. تتحول الحروف إلى كائنات واعية، رافضة أن تكون أداة للتشويه والانحراف، معلنة تمردها على العبث الذي ينتهك قيمتها الأخلاقية. وبينما تتفاقم الأزمة بين الحروف والقلم، يواجه الكاتب معضلة أخلاقية تُلقي عليه مسؤولية قراراته في استخدام اللغة.
تُبرز المسرحية بُعدًا رمزيًا عميقًا؛ حيث تصبح الحروف رمزًا للقيم الإنسانية التي تدافع عن حقها في البقاء طاهرة من عبث الكلمات المسيئة، بينما يُجسد القلم ازدواجية الأدوات البشرية القادرة على البناء والتدمير. في المقابل، يظهر الكاتب بوصفه الضمير المتأرجح بين العبث وتحمل المسؤولية، حيث يتجلى انتصار الحكمة عندما يقرر كتابة رسالة اعتذار للحروف والقلم، معبرًا عن تصالحه مع ذاته ومع اللغة.
تميز العرض بقدرته على إيصال رسالة فلسفية عميقة إلى جمهور الأطفال عبر حبكة رمزية ومشاهد تفاعلية نجحت في غرس قيم احترام اللغة وأهمية الكلمة كأداة بناء للمجتمع. لم تكن هذه التجربة مجرد لحظة ترفيهية عابرة، بل درسًا قيميًا أسهم في تشكيل وعي لغوي وأخلاقي لدى الأطفال.
“غضب الحروف” ليست مجرد مسرحية للأطفال، بل عمل إبداعي يذكّرنا بأن الكلمة هي أساس كل تغيير، وأن الكتابة ليست مجرد فعل ميكانيكي، بل مسؤولية أخلاقية واجتماعية. المسرحية تعيد طرح أسئلة جوهرية حول استخدام اللغة وتأثيرها، مؤكدة أن الحروف ليست رموزًا صامتة، بل أبطالًا فاعلين في بناء القيم والضمير الإنساني.