الملتقى الوطني الثاني للكتبيين بآسفي: رهان الثقافة وثمار الكتاب

 

بقلم : رشيد الزحاف
جريدة النهضة الدولية

في مساءٍ تراقصت فيه أنوار المدينة على وقع ترنيمات التاريخ، افتُتحت في مدينة آسفي فعاليات الدورة الثانية للملتقى الوطني للكتبيين، تحت شعارٍ يليق بعظمة الكتابة: “الكتبي ورهان الصناعة الثقافية”. كان المشهد ينبض بالحيوية والأمل، حيث اجتمع الأدباء والعلماء والمثقفون في ساحة مولاي يوسف ليحيوا ذكرى الكتاب في وطنٍ كان وما زال على مر العصور أرضًا خصبة للإبداع والابتكار.

وقد كان هذا الملتقى، الذي نظمته المديرية الإقليمية للثقافة بتعاون مع الجمعية المغربية للكتبيين، علامة فارقة في مسار هذه المدينة العريقة التي تذوق أهلها طعم البحر والرمل، وأهدوا للعالم خير ما تخلد به الذكرى، الكتاب. الكتاب الذي لا يتعب ولا يملّ من طوافه بين الأيدي، ولا يتوقف عن منح الحكمة والمعرفة للأجيال المتعاقبة. إن هذا الملتقى الوطني لم يكن مجرد مناسبة للقاء بين الأفراد، بل كان احتفالًا حقيقيًا بالمستقبل الذي يخلق من بين صفحات الكتب؛ احتفالًا يتجسد فيه الرهان على الثقافة كأداة للتغيير والمضي نحو فضاءات أكثر إشراقًا.     

وفي افتتاح هذا الملتقى، ألقى “حليم الزواوي” باشا مدينة آسفي، رفقة “أشرف دندون” نائب رئيس المجلس الجماعي، كلمة تحفل بالثناء على هذا الحدث الثقافي الكبير، مشيرين إلى أن الوزارة الوصية على الثقافة تسعى إلى دعم القراءة وتعزيزها كأداةٍ أساسية لنماء الفكر والإبداع. وقد تم التأكيد على أهمية الكتاب في تمكين المجتمع من أدوات فكرية تُسهم في بناء مستقبل أفضل.

وفي هذا الإطار، كانت تصريحات “حسن هرنان”، المدير الجهوي للثقافة بجهة مراكش آسفي، تؤكد على الدور المحوري الذي يلعبه الكتبي في نشر العلم والمعرفة، حيث أصبح له، كما قال، دورٌ لا يقل أهمية عن دور الكاتب نفسه. فالكتبي هو الحامل الأمين للكتاب، هو الجسر الذي يصل بين الكتاب وبين قارئه، سواء كان باحثًا أو متعلمًا أو حتى عابرًا يبحث عن ملاذ في صفحة من كتاب.

ولا شك أن هذه التظاهرة، التي أُقيمت على مدى أيام عدة، شهدت مشاركة واسعة من كتبيين من مختلف أنحاء المملكة، حيث غصت أروقة الملتقى بالكتب في شتى المجالات، كما ازدانت الورشات التربوية للأطفال بالألوان والزخارف التي حاكت عبق التاريخ العربي والإسلامي. فقد تميز البرنامج بجوٍ من التفاعل بين الأجيال؛ حيث كان الأطفال ينسجون الحروف في فنون الخط العربي، ويستمعون إلى القصص، ويغمسون أصابعهم في عالم الرسم والموسيقى، ويكتشفون معاني جديدة من عالم الأدب.

من جانبها، أكدت “سميرة شاعر”، رئيسة الجمعية المغربية للكتبيين، أن هذا الملتقى يشكل دعمًا قويًا للقطاع الثقافي، ورغم التحديات التي تواجهها مهنة الكتاب، فإنها تظل أداة أساسية في بناء الأمم وتقدمها. وكان هناك تنويه خاص بهذا الحدث باعتباره فرصة لتوطيد العلاقات بين الكتبيين من مختلف ربوع الوطن، ما يساعد على تعزيز التواصل والتعاون بينهم، وبالتالي تحقيق المصلحة العامة للقطاع الثقافي.

إن الملتقى الوطني الثاني للكتبيين بآسفي، تحت شعار “الكتبي ورهان الصناعة الثقافية”، يعد بمثابة صرخةٍ مبدعة في وجه الزمن. فقد حَفّزَ هذا الحدث المتميز أبناء الوطن على الانخراط في معركة الثقافة التي لا تقف حدودها عند الكتاب فقط، بل تمتد لتشمل الإبداع والفكر والتطور المستمر. والأمل في أن تظل مثل هذه اللقاءات حافزًا لإشعال فتيل الأمل في نفوس الأجيال القادمة، وتظل ثقافة الكتاب، كما كانت دومًا، خزانًا لا ينضب من الحكمة والإلهام.

Comments (0)
Add Comment