ليبيا: توتر جديد في معبر رأس جدير الحدودي يهدد العلاقات الدبلوماسية مع تونس

طرابلس ـ «القدس العربي»: مجدداً، توترت العلاقات بين البلدين المتجاورين حدودياً، ليبيا وتونس، بسبب التطورات التي شهدها معبر رأس جدير الحدودي، والتي شملت اعتقالات متبادلة بين الطرفين، وسط اتهامات بشأن التهريب وانتهاك القوانين الحدودية.
وتجددت الأزمة مؤخراً مع احتجاز السلطات التونسية لعدد من الليبيين بتهمة تهريب مواد غذائية مدعومة، أبرزها قضية المواطن الليبي وسيم شكمة، الذي حكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات بسبب نقله مادة “الكسكسي”، بالإضافة إلى ثلاثة ليبيين آخرين واجهوا أحكامًا بالسجن لمدة عامين لحيازتهم “المعكرونة”.
في المقابل، قامت السلطات الليبية باحتجاز عدد من التونسيين، متهمةً إياهم بتهريب الوقود والبضائع من ليبيا، ما أدى إلى احتقان شعبي في المناطق الحدودية.
وكشفت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، أن “دوريات إدارة إنفاذ القانون، المكلفة بتأمين المنفذ، ضبطت بعض المركبات التونسية أثناء محاولتها تهريب سلع وبضائع من ليبيا، إضافة إلى تهريب الوقود عبر خزانات غير قانونية”، موضحة أنه تم “إحالة المورطين إلى الجهات المختصة”.
لكن وسائل إعلام تونسية ربطت بين هذا الإجراء، وما وصفته بتضييق كبير تمارسه السلطات الليبية تجاه التجار التونسيين، وقالت إن هذا التصعيد يأتي على خلفية سجن ليبي أخيراً، بعدما أدانته محكمة تونسية بتهمة تهريب مواد مدعّمة.
ونقلت عن مدير المعبر عن الجانب الليبي، عبد الحكيم الخيتوني، تعهده بتطبيق القانون للتصدّي لمختلف أشكال التهريب عبر منفذ رأس جدير، كما تعهد بالعمل بمبدأ المعاملة بالمثل، لافتاً إلى أن القانون سيكون هو الفيصل دون أيّ تهاون.
وفي أعقاب تصاعد التوترات وفي خطوة دبلوماسية مهمة بين تونس وليبيا، كشفت مصادر حقوقية تونسية عن توصل البلدين إلى اتفاق يقضي بإطلاق سراح ثلاثة ليبيين مقابل الإفراج عن 49 تونسياً كانوا محتجزين في طرابلس بتهم تتعلق بتهريب السلع.
جاء هذا الاتفاق بعد اجتماع رفيع المستوى عقدته وزيرة العدل التونسية ليلى جفال، مع وكيلة وزارة العدل بحكومة “الوحدة الوطنية المؤقتة” الليبية نزيهة عاشور، الثلاثاء 18 آذار/مارس 2025، وهو الاجتماع الذي شكل خطوة مهمة نحو تهدئة التوترات بين البلدين.
وتعد هذه الخطوة جزءاً من جهود مشتركة بين الحكومتين التونسية والليبية لمتابعة أوضاع السجناء وتعزيز التعاون القضائي بين البلدين.
وأكد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، عبر حسابه على “فيسبوك”، أن ثلاثة ليبيين تم إطلاق سراحهم في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، بينما يتابع القضاء التونسي قضية المواطن الليبي وسيم بوشكمة، الذي صدر بحقه حكم بالسجن خمس سنوات بتهمة تهريب 150 كيلوغراماً من الكسكسي.
وفيما يتعلق بتفاصيل الاتفاق، أوضح عبد الكبير أن النيابة العامة في ليبيا أذنت بالإفراج عن 49 تونسياً كان قد تم إيقافهم في ليبيا، مع احتفاظ السلطات بشخصين آخرين لمواصلة التحقيقات. وكان لهذا التبادل تأثير إيجابي على العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل تصاعد التوترات الأمنية في معبر “رأس جدير” الحدودي بين ليبيا وتونس.
وفي سياق آخر، دعا نواب تونسيون إلى فرض المعاملة بالمثل، وطالبوا بفتح تحقيق في الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون التونسيون في معبر رأس جدير، مشيرين إلى تعرضهم لما وصفوه بـ”الإذلال والابتزاز”.
ويعد معبر رأس جدير شريانًا حيويًا للتجارة بين البلدين، حيث يُقدر أن 80٪ من حجم التبادل التجاري بين ليبيا وتونس يمر عبره. إلا أن التفاوت في الأسعار بين البلدين جعل من عمليات التهريب أمرًا شائعًا، حيث تهرب السلع المدعومة من ليبيا مثل الوقود والسكر والدقيق إلى تونس، في حين يتم تهريب بعض المنتجات التونسية إلى ليبيا بسبب نقصها في السوق الليبية.
وشهد المعبر في السنوات الأخيرة عمليات إغلاق متكررة بسبب التوترات الأمنية والسياسية، وكان آخرها بين مارس ويوليو من العام الماضي، ما أثر سلبًا على سكان المناطق الحدودية الذين يعتمدون على التجارة العابرة للحدود كمصدر رئيسي للدخل.
ويشعر أهالي المناطق الحدودية في تونس وليبيا بالقلق من تداعيات هذه الأزمة على حياتهم اليومية، خاصة أن القرارات المتعلقة بإغلاق المعبر تؤدي إلى اضطراب النشاط التجاري وارتفاع الأسعار. كما يخشى مراقبون أن يؤدي التوتر المتزايد إلى التأثير على التنسيق الأمني بين البلدين، في وقت تحتاج فيه ليبيا إلى استقرار حدودها الغربية لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.
ويرى خبراء أن الحل يكمن في تطوير آلية واضحة لتنظيم التجارة بين البلدين، مع ضبط عمليات العبور والحد من التهريب بطريقة قانونية، مع الحفاظ على العلاقات التاريخية والاجتماعية بين الشعبين.
والعام الماضي، شهد منفذ رأس جدير الحدودي بين ليبيا وتونس، اشتباكات مسلحة في الجانب الليبي بين قوات وزارة الداخلية بحكومة الوحدة ومسلحين من المنطقة الحدودية، ما دعا الوزارة إلى إعلان إغلاق المنفذ، وهو القرار ذاته الذي أعلنته السلطات التونسية.
وفي 12 حزيران /يونيو، وقّعت حكومة الوحدة الليبية وتونس اتفاقاً أمنياً لإعادة فتح المعبر.
وفي تموز/يوليو الماضي، أعلنت ليبيا وتونس، إعادة فتح المعبر الحدودي في رأس جدير، بعد إغلاق دام أكثر من ثلاثة أشهر.
ويعد رأس جدير المعبر الرئيسي بين البلدين في المنطقة الغربية لليبيا، حيث يتوجه الليبيون غالباً إلى تونس لتلقي العلاج، وتمر من خلاله شاحنات البضائع القادمة من الاتجاه المقابل.
وخلال ذلك الوقت، قدر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، ومقره تونس، أن تصل الخسائر التي يمكن أن تنجم عن عدم استرجاع المعبر لوتيرة نشاطه السابقة واستمرار فترات الانتظار الطويلة، إلى 300 مليون دينار (97.45 مليون دولار) بنهاية 2024.

ANNAHDA MONDE

Comments (0)
Add Comment