بقلم:فتيحة شهاب
في مشهدٍ فني باتت فيه الصورة تسبق الصوت، وتكاد فيه البهرجة تُغرق المضمون، يظهر وجهٌ مختلف للنجاح، لا يرتدي ألوان المجد المعلّب ولا يلهث خلف عدسات التصفيق. خالد الدليمي، ذلك المهندس الهادئ للمشاهد الراقصة خلف الستار، يقدم درساً في المعنى الحقيقي للفن، حيث لا يكون الغرض هو أن تُرى، بل أن تُشعِر.
منذ بدايته سنة 2009، لم يختر الدليمي طريق السطوع، بل اختار أن يكون سِرّه في الصمت، وقوته في خلفية المشهد. كمدير فني، لم يكن مجرد منظم للمهرجانات، بل كان شاعراً في اختياراته، قارئاً للمزاج الفني، مهندساً للحظات لا تُنسى. لا تقتصر بصمته على تنوع الأنماط الموسيقية التي خاض غمارها – من الراي إلى الشعبي إلى الطربي – بل تمتد لتشمل تلك اللمسة الإنسانية التي تمنح للفن روحه الغائبة.
في مدينة سيدي قاسم، لا يُذكر اسم خالد إلا وترافقه خصال كرم الأخلاق وصفاء النية، فالرجل لا يصطنع التواضع بل يتنفسه، ولا يُجامل القيم بل يجسّدها. نادراً ما تجد في زمننا من يُشعل المسرح للآخرين، دون أن يطلب لأنفسه مقعداً في الصفوف الأمامية. إنه ليس مجرد مسير فني بل حامل لرسالة، يزاوج فيها بين حسّه الجمالي وروحه الأخلاقية.
خالد الدليمي هو هذا التناقض الجميل: حضور قوي في غيابٍ مقصود، وأثرٌ عميق في صمتٍ أنيق. إنه الوجه المطمئن للفن حين يُغذيه الوفاء، وصوت الإنسانية حين يُترجم عبر الألحان. في زمن الاستعراض، يبقى خالد شاهداً على أن الفن الحقيقي لا يُقاس بحجم الظهور، بل بعمق الأثر.