أرنوب اللهلوب”: الأرنب الذي علّمنا الجمال بصمت المسرح

بقلم:فتيحة شهاب

في زمن تزدحم فيه الشاشات وتُستبدل فيه الحكايات بالأزرار، ظهر “أرنوب اللهلوب” ليعيد البوصلة إلى حيث يجب أن تكون: إلى قلب الطفولة وروح الإنسان. العمل المسرحي الذي احتضنه فضاء “يوبي كيدس”، وقدّمه مسرح أيوب سمسمة، لم يكن مجرد عرض للضحك والتسلية، بل تجربة فنية وتربوية غنية تستحق التوقف عندها.
بذكاءٍ لافت، نجح المؤلف والمخرج الوليد مزوار في أن يقدّم نصاً متعدد الطبقات، حيث يتداخل السرد البسيط مع رموز عميقة تمسّ جوهر التربية والأخلاق، دون أن يقع في فخ الوعظ المباشر. لقد صيغ العمل بلغة يفهمها الطفل ويتأملها الكبير، مما جعله قريبًا من الجميع، وقادرًا على تحريك الوجدان دون صخب.
لم يكن النص وحده ما صنع سحر “أرنوب اللهلوب”، بل كان هناك تناغم واضح بين مختلف العناصر المسرحية. رشيد سراج أبدع في السينوغرافيا التي فتحت نوافذ الخيال، بينما تولّت زوبيدة بنقزو الإشراف العام بروح عالية من الحرفية. الجهد التقني الذي قاده عادل المنصوري، وتنفيذ الديكور بإبداع من إبراهيم أبو السيف، شكّل خلفية بصرية متكاملة تخاطب الحواس قبل العقل، وتجعل من كل مشهد لوحة نابضة بالحياة.
تميّز الطاقم التمثيلي بأداء متناغم ومتقن، حيث منح زوهير خاشع الرحمان شخصية الأب عمقًا اتّسم بالحكمة، وجسّد عبد العاطي كرداح شخصية الابن ببساطة صادقة تجسّد قلق النمو والتساؤل. أما جمال كنو، فقد كان نجم العرض دون منازع، إذ قدّم شخصية “أرنوب اللهلوب” بروح مرحة ودفء عاطفي، جعل الأرنب ليس مجرد شخصية خيالية، بل مرآة لطفل في داخلنا لا يريد أن يكبر.
“أرنوب اللهلوب” ليس عملاً دعائيًا للقيم، بل هو عمل تربوي ذكي يعرف كيف يمرر رسائله بلغة الفن. لا أوامر ولا نواهي، بل أسئلة تُطرح، ومواقف تُعرض، ونتائج يُترك للطفل (والكبير) أن يستنتجها. إنه درس في التربية الإيجابية،    وفي كيفية استخدام الخيال كوسيلة لتشكيل الذوق والسلوك.
نجاح هذا العرض ليس حدثًا عابرًا، بل يجب أن يُقرأ كرسالة واضحة: أن مسرح الطفل يمكن أن يكون أداة حقيقية لإعادة بناء الإنسان، لا مجرد نشاط جانبي. نحن بحاجة إلى فن يُشبه الأطفال في براءته، ويُشبه الكبار في حكمته، وهذا بالضبط ما قدمته مسرحية “أرنوب اللهلوب”.
في هذا الأرنب المشاغب، الذي تحوّل إلى فيلسوف صغير، وفي هذا المسرح الذي همس بدلاً من أن يصرخ، وجدنا ما فقدناه: الدهشة، والخيال، وذاك النور الطفولي الذي يُعلّمنا أن الجمال يمكن أن يكون موقفًا، وأن اللعب مقاومة، وأن الفن حين يكون صادقًا، يربّي بصمتٍ أكثر مما تفعل الخطب العالية.

Comments (0)
Add Comment