بقلم:رشيد الزحاف
آسفي ليست مهمّشة، بل مُهملة من أبنائها. ليست مقصية، بل غائبة بإرادتها عن مشهد ثقافي يُصنع بالمبادرة، لا بالبكائيات. من ذا الذي قرر أن يكتب لها سيناريو المظلومية الأبدية، وهي المدينة التي أنجبت المبدعين، واحتضنت الشعراء، وشهدت على فصولٍ مجيدة من ذاكرة الوطن؟
الاحتجاج على غياب “شهر التراث” أمرٌ مشروع، لكن ما لا يُقال أهم مما يُقال: أين كانت النُخب الثقافية حين خُصصت الميزانيات؟ من كتب الملفات؟ من اقترح العروض؟ من نازع الصمت بالمبادرة؟ لا يمكننا أن نُحمّل وزارة الثقافة وزر مدينة اختارت أن تضع يدها في جيب الآخرين، بدل أن تضع قدمها على طريق المبادرة.
كفى من اختزال الشأن الثقافي في خطاب الاتهام المعلّب. الثقافة ليست حصة توزعها الجهات المركزية على المدن “بالتساوي”، بل هي مشروع جماعي، مشترك، يُبنى على العمل، لا على الشكوى. مدن مثل تارودانت أو شفشاون لم تنتظر أحداً، بل صنعت لنفسها هويتها الثقافية، وجعلت من التهميش فرصة للبروز.
أما آسفي، المدينة ذات الذاكرة العميقة، فهي اليوم تسكن ظلّ ماضٍ عظيم، دون أن تُراهن على صناعة مجد جديد. قصر البحر، الكنيسة البرتغالية، دار السلطان… معالمٌ لا تُنكر، لكنها ليست مَن يجب أن يتكلم الآن، بل من يحمل مشروعًا ثقافيًا حقيقيًا، ويُؤمن بأن الثقافة ليست مطلبًا فقط، بل مسؤولية.
إن من السهل أن نُعلّق خيباتنا على مشجب “الميزانية”، لكن من العدل أيضاً أن نسأل: ماذا قدمت جمعيات آسفي الثقافية؟ كم عرضًا فنيًا نظّم؟ كم أمسية شعرية أُقيمت؟ كم شراكة أُبرمت؟ الواقع لا يُغيّره المقال، بل تُغيّره دينامية حقيقية، يقودها مثقفون يُفضلون الفعل على التذمّر.
آسفي لا تحتاج لمن يصرخ باسمها، بل لمن يخطط، يبادر، يحاور، ويصنع الفرق. آن الأوان أن نغادر خطاب الندب، وندخل زمن البناء.