نزوة عابرة… وطفولة ضائعة

زرت مستشفى الأطفال (الهروشي) قبل أيام، أُدخل ابني على عجل بسبب نوبة اختناق حادّة ناجمة عن حساسية مفاجئة، وبينما قلبي معلق بأنفاسه، ساقتني الأقدار نحو غرفة أخرى… لم تكن مخصصة للمرضى فقط، بل للأوجاع التي لا دواء لها.
رأيتهم…
رضع صغار، ملفوفين بأغطية ناعمة، نائمين في حضن الغياب.
لا أمّ تحتضن،
لا أب يسأل،
لا اسم يحملونه سوى أرقام في ملفّ بارد.

اقتربت من أحدهم… فتح عينيه الصغيرتين، نظر إلي ببريق عجيب، وكأنه يسأل:
(أنا لمن؟)

أين أمي؟ تلك التي استسلمت لنزوة عابرة، لحظة طيش أو حبّ أعمى أو مال مسموم، أو حتى… خدعة اغتصاب في زمن لا يرحم.
ربما بكت وهي تضعه، وربما هربت، أو ربما تخلّت عنه بدمعة… لكنها تخلّت.
والأب؟ لا وجه، لا اسم، لا ظل، فقط غياب ثقيل وذنب لا يغتفر.

هل فكر أحدهم ماذا يعني أن يولد الإنسان من غير أن يُنسب؟
أن يأتي إلى الحياة مذنبا في عيون مجتمع لا يغفر له خطيئة لم يرتكبها؟
أن يعامل كرقم في دار أو كدمية وُضعت على الرف؟

أكتب إليكم اليوم لا كصحفي ولا كناقل للخبر، بل كأب… كإنسان رأى الطفولة تُسحق تحت أقدام الشهوة.
رأيت أجسادًا صغيرة لا تعرف من العالم إلا سقف المستشفى،
وابتسامة خافتة تبحث عمّن يبادلها الحنان.

ويا ويحهم من يوم اللقاء…

حين يقف هذا الطفل أمام الله يوم القيامة،
ويرى أمه وأباه،
ويسأل ربه:
ربّي، بأي ذنبٍ تركت؟ من هم؟ لماذا تخلوا؟

سيُعرض الموقف العظيم، وتسحب من ذاكرة الدنيا لحظة اللذة،
وتعرض لحظة الخذلان…
وهناك، لن يكون الهروب ممكنا، ولا التبرير مقبولاً

قال تعالى:
وإذا الموؤودةُ سُئلت، بأيّ ذنبٍ قتلت
فكيف بمن وُئد حيًّا في دار، لا يُسمّى، لا يُنسب، لا يُضمّ؟

هناك، لا طب يُنقذ،
ولا دمعة تغفر،
ولا متعة تُبرّر.

يا من تقرأ، تذكر:

نزوة ساعة قد تصنع وجعَ عمر
وطفلٌ بريء لا ذنب له،
سيُولد غريبا، ويكبر يتيم الهوية.
لا تدع لحظة لذة، تخلف عمراً من الندم…
ولا تقتل طفولةً حاضرة بلحاف الهروب.
فالله لا ينسى،
والأرواح لا تنسى،
والموعد آت…

نزوة عابرة… وطفولة ضائعة
بقلم الاستاذ ادريس فقيري

Comments (0)
Add Comment