سجل يا تاريخ…….عندما دخل ترامب جزيرة العرب

جميلة غاطس

أنّ ترمب دخل جزيرة العرب، فوجدها خالية من الرجال…مزدحمة بالخُدّام … أرضٌ غنية بالذهب، فقير من العزّة.

دخلها لا كغازٍ متمرد، ولا كمتسلّلٍ في ليلٍ دامس، بل دخلها في موكبٍ مهيب، تستقبله فيه القصور، وتنحني له الرقاب، ويُقدَّم إليه المال كما تُقدَّم الغنائم للفاتحين.

دخل ديار العرب، فرأى حكّامًا لا هيبة لهم، وجيوشًا بلا عقيدة، وعلماء خائفون فقدوا النخوة فسكتوا، ونُخبًا تصفّق، وشعوبًا خانعة بين مؤيد صامت أو مستنكرٍ خائف.

دخلها عدوّ الله لا كما يدخل المستعمر أرضًا محتلَّة، بل كما يدخل “المنتظر” أرض أنصاره، يُحاط بالمجالس، ويُفرش له البُسُط، وتُفُتح له الخزائن، ويُسلَّم له القرار!

في الرياض، اصطفّت له الوفود، وخرج له أهل النفط والسلطة يحيُّونه، كأنّما نزل عليه الوحي من جبل رضوى!

وفي قطر، تقدّم له أعيان الدولة وأشرافها، لا على أنّه رئيس دولة، بل على أنّه “المنقذ” الذي يُطاع، والمخلّص الذي لا يُسأل عمّا يفعل.

وفي الإمارات، فاق الترحيب كل خيال، حتى خرجت بنات العرب، من بنات القبائل، يرقصن له علنًا، يُهززن شعور ما كان ليراها العلج لا في جاهلية ولا اسلام ، كما لو أنّ الأرض خلت من الغيرة، أو أن الرجولة قد رحلت إلى منفىٍ بعيد!

ذلك ليس رقصًا للضيافة، بل خنوعًا للطغيان… مشهدٌ تسقط فيه الكرامة، وتُطحن فيه الحضارة تحت أقدام الجلّاد وهي تبتسم!

أما الجزية… فلا تسأل عنها!

فقد فُتحت له خزائن المسلمين بلا شرطٍ ، وهُدي من أموال الأمة ما كان لا يجرؤ المحتلٌّ الانجليزي و الفرنسي على أخذه حتى بالسلاح! إنها نوع جديد من الجزية ، جزية الرضا… طمعًا في نظرة رضا من مستكبر أحمق.

لكنّ المصيبة لم تقف عند المال، بل تعدّت ذلك إلى الدين والشرف…

فها هو حاكم دمشق الجديد ، من طالما خطب في الجها .. د و تطبيق شرع الله وتحرير الأقصى و استنكر أفعال حكام الخليج ، قد جلس أمام الطاغية ترمب ذليلًا، يستجديه الرضا، ويبتسم له في خنوع ، ويُصغي إلى الأوامر في خشوع، ويعرض تسليم من قاتلوا معه بالأمس.

يا أيها الناس…

إنها ليست زيارةً عابرة، بل شهادة وفاة تُعلَن في وضح النهار… موتٌ حضاريّ تُوثّقه العدسات، ويُروى للأجيال بعنوان: هكذا سقطت أمة !

أن تُفرش الطرقات للعدو، ويُجلَس في الصدر، وتُساق له الأموال كما تُساق القرابين، فاعلم أن القيم قد هُدّمت، وأن الرجولة في أقفاص الذلّ تُباع!

إنه ليس فنًّا في السياسة، بل فضيحة في الأخلاق، وانهيار في العقيدة، وسقوطٌ لا يشبهه سقوط.

خرج العرب من الصحراء وحملوا رسالة السماء بالسيف والرمح فانتصروا على الامبراطورية الفارسية ودكّوا أبواب عاصمة الامبراطورية الرومانية و هابهم امبراطور الصين فصالحهم و خافهم ملوك الافرنج فدفعوا لهم الجزية و أذعنت لهم الامم وأقاموا دولة الاسلام من جنوب فرنسا إلى حدود الصين ، و لم يكونوا يخشون الاباطرة و الاكاسرة ولم يطلبوا يوما حماية من أحد.

فكيف بهم اليوم لا يستطيعون العيش الا تحت حماية مراهقي الجيش الامريكي الجبان من شذاذ الافاق ، يحرسهم من لا يعرف أباه، وتحمل السلاح عنهم فتاةٌ لم تبلغ العشرين، ….حتى اصبح ترامب يتوعدهم بسحب الحماية ان لم يدفعوا له الجزية عن يد و هم صاغرون ؟

أين أحفاد خالد و المثنى ؟ أين روح القعقاع و سعد ؟!

أين رجال قبائل تميم و هوازن و غطفان و كنانة و قريش و أسد و مُزَينة و هُذيل ؟

أم هل جُبِلت تلك الدماء اليوم على الذلّ، ونُزعت منها نخوة الجدود؟

أيُّ ذلّ هذا؟ وأي دينٍ يبقى لمن لم يرَ في هذا المشهد خيانةً العصر ؟!

يا أهل القوّة…

يا من بقيت في قلوبكم جذوة الإيمان، و نخوة العرب ، وصوت العقيدة…

أما آن لهذا الخنوع أن يُكسر؟
أما آن لأرض الوحي أن تُطهَّر من أوثان البشر؟
أما آن لجزيرة العرب أن تُولد من جديد كما وُلدت في بدر، وأحد، ويوم الفتح؟

﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا۟ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٍۢ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ﴾

Comments (0)
Add Comment