✍️محمد الحجوي
في عالم تتسارع فيه وتيرة التحولات الاجتماعية والثقافية، تبرز ظواهر مقلقة تهدد براءة الطفولة وسلامة البيئة التعليمية، ومن أخطرها **ظاهرة التحرش الجنسي في المدارس**، التي تتخذ أحياناً أشكالاً مُعقّدة كـ **المقايضة الجنسية مقابل النقاط أو الامتيازات الدراسية**. هذه الظاهرة ليست مجرد انتهاك فردي، بل هي **ثقافة مُستترة** تفتك بثقة الطلاب في المؤسسة التعليمية، وتُحوّل الفصل الدراسي من فضاء آمن إلى ساحة صراع خفي بين الضحية والجاني، حيث يُستغل فيه اختلال توازن القوى لفرض إرادة المعتدي.
في خضمّ السعي لتحصيل الدرجات، يجد بعض الطلاب أنفسهم أمام **مأزق أخلاقي قاسٍ**: إما التضحية بكرامتهم للحصول على نقاط قد تُحدد مصيرهم الأكاديمي، أو التمسك بمبادئهم مع احتمالية التعرّض للظلم أو الإخفاق. هنا، تتحول العملية التعليمية من أداة لتمكين العقل إلى وسيلة للابتزاز العاطفي والنفسي. فكيف وصلنا إلى لحظة يُختزل فيها الجسد كعملة للتداول؟ وما الدور الذي تلعبه المنظومة التعليمية في التستر على هذه الجرائم أو مكافحتها؟
هذه الورقة تُسلّط الضوء على **الأبعاد الخفية لهذه الظاهرة**، من جذورها الاجتماعية إلى انعكاساتها القانونية، سعياً لفك شيفرة صمتٍ يُغذي أحد أخطر أشكال العنف المُمنهج ضد الطلاب.
تظل ظاهرة التحرش الجنسي في المدارس مقابل النقاط جرس إنذار يُدقّ ناقوس الخطر حول أزمة أخلاقية تعصف بقدسية العملية التعليمية. هذه الممارسات ليست مجرد حوادث فردية يمكن التغاضي عنها، بل هي مؤشر على خلل عميق في منظومة القيم التي تحكم علاقة المدرس بالطالب. إن تحويل الجسد إلى عملة للمساومة، والنقاط إلى أداة للابتزاز، يمثل انتهاكاً صارخاً لحرمة المؤسسة التعليمية التي يفترض أن تكون حصناً منيعاً لبناء العقول وحماية البراءة.
لقد كشفت هذه الورقة النقاب عن الأبعاد المظلمة لهذه الظاهرة، بدءاً من استغلال اختلال موازين القوة، مروراً بثقافة الصمت المجتمعي، ووصولاً إلى الآثار المدمرة التي تتركها في نفوس الضحايا. إن مواجهة هذه الآفة تتطلب وقفة جادة من جميع الأطراف: تشريعات رادعة، رقابة فعالة، توعية مستمرة، ومناخاً مدرسياً يشجع على الإبلاغ دون خوف.
فإذا كانت المدارس هي المصانع التي تُنتج مستقبل الأمة، فإن السماح باستمرار مثل هذه الممارسات يعني أننا نُخرّج أجيالاً تحمل في أعماقها جراحاً لا تندمل، وثقافةً تبرر الانتهاك تحت مسميات شتى. آن الأوان لكسر حلقة الصمت، وبناء نظام تعليمي يحمي الطلاب قبل أن يُعلمهم، ويصون كرامتهم قبل أن يمنحهم الشهادات. لأن الأمة التي لا تحمي براءة أطفالها، هي أمة تُقّدم مستقبلها ضحية على مذبح الصمت والخوف.